سمر رمضاني في إسطنبول (8)
قال كمال ما معناه إن أبرز شخصية فنية ظهرت مع بدايات التلفزيون في مطلع الستينيات هي نهاد قلعي. إنه رجل مجبول بالفن من مفرق شعره وحتى قدميه.
أبو ماهر: ودريد لحام؟
كمال: ظهور دريد لحام في نفس الفترة كانْ كتير مهم طبعاً، بس أنا عم قول إنه نهاد قلعي هوي الأبرز، متلما بتعرف، كان نهاد يكتب النصوص بالإضافة للتمثيل، لأن التأليف بهديك الأيام ما كان شائع، يعني المؤلف التلفزيوني عم ينطلق من الصفر. ونهاد كان يبرز زميله دريد لحام، ويرسم له الدور الأكبر بين المشاهد المكتوبة.
أبو المراديس: ولا تنسوا أن صناعة التمثيليات في هداك الوقت كانت عملية صعبة، لأن الإمكانات الفنية والمالية ضعيفة جداً، ومع هيك نجح دريد لحام ونهاد قلعي أكتر من غيرهم. السبب إنهم راحوا باتجاه الشي اللي بيحبوه الناس في كل زمان ومكان، قصدي الكوميديا، والضحك، وبلشوا يدوروا في السينما العالمية على شخصيات كوميدية لحتى يقلدوها ويطلعوا منها بشي مناسب للبيئة المحلية.
حنان: قصدك غوار الطوشة وحسني البوراظان؟
أبو المراديس: هني كانوا عم يدوروا على ثنائيات كوميدية مشهورة في السينما العالمية، واهتدوا بسهولة للثنائي "لوريل وهاردي".. وهدول ستان لوريل الإنكليزي (1890 - 1965) وأوليفر هاردي الأميركي (1892 - 1957)، واحد منهم نحيف وذكي، والتاني سمين ومغفل، وهادا الشي اللي استقروا عليه دريد ونهاد، سواء بالشكل، أو بطريقة الأداء.
أبو محمد: والله يا أبو المراديس، الناس كانت تفتح التلفزيون لتتفرج ع غوار الطوشة وحسني البوراظان، وما حدا بيعرف كل هالحكي..
لما إجا وقت الفاصل الموسيقي، قلت له: يا أستاذ عبد اللطيف أنت خالفتْ النظام. كيف بتسمح لنفسك تدخل علينا ونحن عَ الهوا؟
أبو المراديس: ما حدا بيعرف، وبرأيي إنه مو كتير ضروري أن الناس تعرف، ولعلمك إنه دريد لحام قبلما يتبنى شخصية غوار كان يعمل شخصية اسمها "كارلوس"، وما كتير نجحت.
أم زاهر: كنت عم تقول إنه شغل التمثيل في هديكه الأيام كان صعب. شلون يعني؟ أنا ما فهمت.
أبو المراديس: في الوقت الحاضر بيتم التصوير باستخدام المونتاج. المخرج بيصور المشهد مرة، ومرتين، وتلاتة، لحد ما يرضى عنه، وبيحتفظ فيه لحتى يخلص تصوير كل مشاهد مسلسله، وبيقعد مع المونتير، وبيصيروا بيركبوا المشاهد ورا بعضها، بحسب التسلسل المكتوب في النص، وبعدين بيعمل المكساج، يعني بيضيف الأصوات والمؤثرات الموسيقية على سلسلة المشاهد اللي صارت عنده. يعني فينا نقول إنه العمل مريح جداً. لكن في القديم كانوا يصوروا الحلقة التلفزيونية اللي مدتها 50 دقيقة دفعة واحدة، من أول كلمة لآخر كلمة، ولما أحد الممثلين أو الفنيين بيخطئ وبيصيح المخرج (Stop)، بيصير لازم يعيدوا كل شي اشتغلوه، حتى لو صاح (Stop) في الدقيقة 49. ولذلك كان المطلوب من الممثلين كلهم إنهم يحفظوا النص كله ع الغايب، وإذا واحد من الممثلين أخطأ المفروض فيه ما يوقف أو يطلب إعادة.
أم الجود: لكان أشو بيعمل إذا غلط؟
أبو المراديس: بيحاول يتصرف ويجيب جملة قريبة من الجملة اللي نسيانها، أو ممكن الممثل اللي مقابيله يقرّب منه ويذكّره بالحوار، لأن بيكون حافظ دوره ودور اللي معه في المشهد. أنا بتذكر مشهد من مسلسل مقالب غوار، بيكون حسني عم يحكي مع غوار، ونهاد قلعي بينسى الإسم، وبيقول لدريد، شو بدي أقلك يا.. يا، إنته شو إسمك؟ بيقول دريد: غوار، بيقول نهاد: شايف يا غوار؟ من كتر ما عم تمر عراسنا بلاوي صرنا ننسى، وبيكمل الحوار.. وهادا دليل على ذكاء نهاد قلعي، لأنه لو ما تصرف صح كانوا راح يعيدوا الحلقة من أولها.
كمال: في الوقت الحاضر الكاميرات وجزر المونتاج وأجهزة المكساج كلها متطورة. حتى عملية البث التلفزيوني صارت أسهل بكتير.
أبو المراديس: طبعاً. وبهالمناسبة راح إحكي لكم عن حادثة روى لي إياها المخرج المخضرم الراحل رياض دياربكرلي. تاريخ الحادثة شهر آب/ أغسطس 1960، يعني يا دوب التلفزيون صار له أسبوعين طالع، لأنه انطلق يوم 23 تموز/ يوليو في مصر وسورية بيوم واحد. بوقتها صدر قرار بتعيين رياض "مدير استوديو". وكان مركز البث جبل قاسيون، وكله عَ الهوا، وكان يستمر للساعة إداعش في الليل. أما إدارة التلفزيون فكانت في شارع بغداد، وبهديك الأيام كانوا معظم المخرجين مو دارسين إخراج، وبيصير الواحد مخرج من خلال الممارسة، وبعدما يسموه مخرج، ممكن يبعتوه على شي دولة أوروبية، بيعمل دورة إخراج قصيرة وبيرجع. وكان الفنان عبد اللطيف فتحي في الخمسينات معروف ومشهور، وكانوا العاملين في الفن والمسارح بيحسبوا له ألف حساب.
قال لي المرحوم رياض: كان التلفزيون عم يبث برنامج "المسرح الصغير- عرائس" وأنا كنت مخرج الفترة، وما أشوف غير عبد اللطيف فتحي فتح باب الاستوديو ودخل بدون استئذان، فطلبت منه بالإشارة إنه يهدا ولا يتحرك.
ولما إجا وقت الفاصل الموسيقي، قلت له: يا أستاذ عبد اللطيف أنت خالفتْ النظام. كيف بتسمح لنفسك تدخل علينا ونحن عَ الهوا؟
وطبعاً زعل، واشتكى لمدير التلفزيون الأستاذ صباح قباني (اللي هو شقيق الشاعر نزار قباني)، واستدعاني صباح، ولما قابلته أثنى عَ نشاطي وتقيدي بالنظام، ونقلني لدائرة المنوعات، على أساس أنه عم يعاقبني، ولكن هاي الوظيفة أحسن من السابقة، يعني صارت ترقية مو عقوبة!
أبو إبراهيم: ظريف عبد اللطيف فتحي، وبالأخص بدور بدري بيك أبو كلبشة.
أبو المراديس: قبل هادا الدور كان يطلع بلقطات تلفزيونية مأخودة من مسرحياته، وأشهرها التعويذة اللي بيقول فيها: هرو برو هرو برو ما فاتوها ما فاتوها، ولما بيوصل لكلمة "باض" بيجيه ضربة على راسه. كمان إله مشهد بيكون فيه شيخ الكتاب وبتجي لعنده أم كامل اللي انتقلت بهالفترة من الإذاعة للتلفزيون.. وأكتر شي كنا نشوف هاي المَشاهد ضمن برنامج غداً نلتقي.
حنان: برنامج "غداً نلتقي" كان إله جمهور طويل عريض.
أبو المراديس: نعم. مع أن برنامج ما بيتطلب شغل. بيكفي المخرج يصف كم مشهد كوميدي، شي مصري شي سوري شي لبناني، ويحط بيناتهم وصلات غنائية، وطبعاً "غدا نلتقي" ارتبط بمرحلة البث التلفزيوني المحدود، اللي بيبدا الساعة 5 المسا وبينتهي 12 بالليل. لما ظهرت الفضائيات وصارت تبث 24 ساعة ما عاد إله لزوم أو وجود.