سمر رمضاني في إسطنبول (3)
خصصنا جلسات السمر الرمضاني لهذه السنة، أعادها الله عليكم بالخير، للحديث عن علاقة شهر رمضان بالفرجة والتسلية، وعُدنا بذاكرتنا إلى أيام ما قبل التلفزيون، حيث كانت الإذاعة سيدة الموقف، وقد لمع نجم الفنان حكمت محسن الذي اكتسب لقب "القصاص الشعبي" بجدارة.
وكان المفروض أن نجيب، خلال السهرة الفائتة، عن السؤال الخطير التالي: كيف تمكن هذا الإنسان الذي يعمل في تنجيد اللحف أن يحقق ذلك المجد، ويصبح اسمه على كل لسان، وتصبح تمثيلياته حديث الناس في مختلف أنحاء البلاد السورية؟
قالت حنان: أنت يا أبو المراديس حكيت لنا أنه حكمت محسن انولد في إسطنبول 1910، وأبوه المتطوع في الجيش خاف عليه لما علقت الحرب العالمية (الأولى) 1914، وبعته ع الشام حتى يعيش مع أمه في بيت خالته.
أبو المراديس: نعم. وفينا نقول إنه حياة التشرد ابتدت من هداكا الوقت، يعني من لما كان عمره أربع سنين. لكن كلمة السر في ميوله باتجاه الفن كانت والدته "خيرية" اللي كانت مولعة بسرد الحكايات الشعبية والسير، وبعدما تولَّدت عندُه هواية القص والسرد أحب المسرح.. بهديكة الأيام كانت تجي ع الشام فرقة مسرحية مصرية وتعرض مسرحياتها، وبقي حكمت يلحق المسرحيين من مكان لمكان ويحضر العروض المتتابعة، لحتى تعلم التأليف المسرحي، ولما افتتحوا الإذاعة في سمة 1947 كان رجل ناضج، وصاحب تجربة، فجهز مونولوج شعبي ساخر، وطلع ع الهوا بعدما رئيس الجمهورية شكري القوتلي افتتح الإذاعة، وغنى المونولوج تبعه، ومن وقتها بلش اسمه يكبر ويكبر لحتى صار فوق الريح.
كمال: برأيك حكمت محسن كاتب إذاعي ومسرحي مهم بحد ذاته؟ ولا أنت بتعتبره كاتب مهم بسبب الريادة؟
أم الجود: طول بالك خاي أبو مرداس. أنا بعمري ما سمعت بمطربة إسمها نجاة محمد كمال حسني البابا
أبو المراديس: أنا بقول إنه مهم على الجهتين. أبو محمد وأبو جهاد بيعرفوا إنه فكرة الراديو بحد ذاتها كانت بهديكه الأيام جديدة وغريبة، وفي ناس لما شافوا هالصندوق الموصول بشريط كهربا عَمْ يطلع منه حكي وموسيقا وغناء طق عقلهم، وصاروا يقولوا نحن صرنا بآخر زمن، فكيف بيجي واحد متل حكمت محسن بيرسم لوحات اجتماعية تمثيلية وبيخلي الناس يحبوها ويتعلقوا فيها على الرغم من بساطتها؟ أنا هلق راح أحاول أوصل للعوامل اللي ساعدته على تحقيق كل هالنجاح. حكمت محسن كان محظوظ بصوته.. هلق، بعد نصف قرن من الزمان، إذا بتدخل على جوجل وبتحط عبارة (تمثيليات حكمت محسن) وبتسمع واحدة من هالتمثيليات، وبتركز على صوت أبو رشدي، بتلاقي حالك أمام صوت رجولي نحاسي قوي، وبنفس الوقت فيه نبرة طيبة، وأنا بعتقد أنه كان عصبي، أو متلما بيقولوا (نزق)، وهادا خلاه ينجح بدور الرجل اللي بيتغالظوا عليه الآخرين، وكيف بيظهر الضيق بكلامه.. ومن هون منحسن نفهم الدافع اللي خلاه يخترع كاراكتر أبو فهمي، الكاراكتر اللي أبدع في أداؤُه الفنان فهد كعيكاتي، وبيتلخص بأنه غليظ، أو متلما بيقولوا أهل الشام (سَئيل)..
ومن تمثيليات حكمت محسن الشهيرة إنه أبو فهمي بيجي لعند أبو رشدي، في بداية شهر رمضان، وبيقول له إن ولاده ومرته ما عم يهتموا فيه، وهلق مفكر يساوي فيهم مقلب، بده يغيب عن البيت يومين، لحتى يعرفوا قيمته ويطلعوا يبحثوا عنه، وترجاه إن يخليه يسكن عنده في أوضة الضيوف هاليومين.. وهادا الشي حصل، لكن أبو فهمي (السَئيل) عجبته الخدمة، والأكل، فمضّى شهر رمضان كله عند أبو رشدي، حتى زهقت منه أم رشدي، وصارت تمهد له منشان ينصرف لأن العيد صار على الأبواب، ومن شدة غلاظته صار يجاوبها إنه ما بتفرق معه إذا إجا العيد، وحتى إذا بيجوا القرايب بيعيدوكم ما عندي مشكلة، وبيستمر بالمجادلة لحتى يعصب منه أبو رشدي ويطلب منه ينقلع!
ومن الكاراكترات اللي اخترعها حكمت محسن "أم كامل" المرأة اللمضة اللي كمان بتسبب لزوجها الضجر وارتفاع الضغط. واللي كان يقوم بدور أم كامل الفنان الشامي أنور البابا.
أم زاهر: أشو هالحكي؟ أنا كنت مفكرة أم كامل مَرَا.
أبو المراديس: هون في مسألة لازم ننتبه لها، وهيي إنه في مطلع القرن العشرين، وحتى أوائل الخمسينات، كانت معظم الفرق المسرحية تعاني من مشكلة في تأمين نساء منشان يلعبوا الأدوار المكتوبة للنساء ضمن النصوص المسرحية، وكتير فنانين رجال كانوا ياخدوا دور نساء.. حكى لي المخرج الحلبي المرحوم جميل ولاية عن بداية اهتمامه بالمسرح، وقال لي إنه تعرّف عَ السينما وهوي إبن سبع سنوات، وعشق المسرح، وفي مرة من المرات، كان يحضر بروفات مسرحية "الكارثة" من بطولة حسن بَصَّال وصباح فخري، ومن كتر اهتمامه وولعه حفظ كل الأدوار الكبيرة والصغيرة في المسرحية، وقبل العرض بكم يوم غابت بطلة المسرحية، لسبب قاهر، فاقترح واحد من الممثلين أن يمثل "جميل ولايا" دورها، فلبسوه توب امرأة، وأدى الدور بنجاح ملفت للنظر.
أبو ماهر: بعد الخمسينات صار فيه ممثلات؟
أبو المراديس: بالنسبة للتلفزيون طبعاً كان في، لأن التلفزيون مقره العاصمة دمشق اللي فيها جرأة اجتماعية أكبر من المدن الأخرى، إضافة إلى أن التلفزيون لكل سورية، يعني ممكن تجي واحدة من أي محافظة عَ الشام، وتمثل أو تغني، متل المطربة الحلبية مها الجابري، والمطربة سحر اللي أجت من إدلب، وكان في ممثلات من الأرياف متل السيدة سعاد عمر.. واللي ساعد على تزايد عدد الممثلات هوي الاسم المستعار، وإخفاء الكنية الحقيقية.. وبهاي المناسبة، وعلى ذكر الفنان أنور البابا، بدي أقول معلومة أكيد في ناس بيعرفوها، وناس ما بيعرفوها. أنور البابا بيكون ابن عمها للنجمة السينمائية المصرية الكبيرة سعاد حسني.
أبو زاهر: عم تحكي جد؟ طيب شلون هيك وكل واحد إله كنية مختلفة؟
أبو المراديس: هيي إسمها الأصلي سعاد محمد كمال حسني البابا، أصلها من الشام هيي وإختها المطربة الشهيرة نجاة محمد كمال حسني البابا.
أم الجود: طول بالك خاي أبو مرداس. أنا بعمري ما سمعت بمطربة إسمها نجاة محمد كمال حسني البابا.
أبو المراديس: هيي نفسها نجاة الصغيرة، أخت سعاد حسني. بنت عمه لأنور البابا..
(ملاحظة: لا تهمنا الأسماء وصلات القرابة، بقدر ما يهمنا الإبداع).
وللحديث صلة