سمر رمضاني... عندما قعد أبو الجود عَ الدرب (3)
قال أبو زاهر: من مدة سمعتْ واحد من الثوار عم يقول إنو عيب على أيْ سوري يعزف ويغني ويرقصْ طالما أنو في كارثة، ومأساة، ومدبحة ارتكبها ابن حافظ الأسد والروس والإيرانيين وحزب الله بحق الشعب السوري. وأنا بشوف أنو كلام هالإنسانْ صحيح ومو صحيح في آن واحد.
قال الخال أبو جهاد: أشو هاي؟ حزّيرة؟ كيف صحيح ومو صحيح في آن واحد؟
قال أبو زاهر: المدبحة اللي تعرض لها الشعب السوري فريدة من نوعها في التاريخ، وعدد ضحايانا ما إلو مثيل من أيام الحرب العالمية الثانية لحد هاليومْ، منشانْ هيك لازم يغمرنا الحزنْ والحِدَادْ على طول. لاكن يا شباب الحياة لازم تستمر. وأنا بشوف أنو الغناء والدبكة كتير ضروريين للصحة الجسدية والنفسية.
ضحك أبو الجود وقال: أكيدْ أنت يا أبو زاهر مو متأثر بعضو مجلس الشعب الأهبل محمد قَبَنَّضْ اللي قال إنو الطبل والزمر من ضرورات الإعلام في مواجهة المؤامرة العالمية على نظام بيت الأسد، لأنو أنت ما عم تحكي عن إعلام الطبالين، وإنما عن الصحة النفسية والجسدية للبني آدم.
قال أبو وليد: اسمحوا لي أنا جاوب بالنيابة عن أبو زاهر باعتبارنا من نفس فصيلة سجناء الرأي. الحقيقة أنو كلام أبو الجود صحيح، هادا محمد قبنض واحد أهبل.. ولاكِنْ، على فكرة؛ أعضاء مجلس الشعب السوري مو أحسن منو حالاً، ومع هيك بيقعدوا بيتضحكوا عليه، لأنو الهبل تبعهم مستتر، بينما الهبل تبعو مكشوف. ولما قال أبو زاهر إنو الرقص عبارة عن رياضة جسدية ونفسية كان على حق مية بالمية. مثلاً: أنا ورفقاتي من سجناءْ الرأي كنا نغني في سجن صيدنايا، وأحياناً ندبك، وكان معنا أصدقاء اذكياء تمكنوا من صناعة آلات موسيقية، فكنا نتخفف، بالغْنِي والدبكة، من المعاناة الجسدية والنفسية الناجمة عن الإهانات والتعذيب وحجز الحرية اللي امتد فينا على مدى سنين طويلة.
قال أبو الجود: أبوس روحك يا أبو وليد. عن جد كلامك صحيح. وبالمناسبة؛ لما دبكنا البارحة على أنغام أغنية (عَ الطير عيني ع الطير- أهلا ويا صباح الخير) أنا شعرت بأنو جسمي كان قبل الدبكة مشلوح في المستودع مع كْيَاس البطاطا والبصل والحنطة والشعير، وأختكن أم الجود عم تزتّْ فوقي كلْ شيَّ بيزيد عن حاجتها في البيت من كراكيب وقراقيع وخبز يابس، ولما دبكتْ تخلصتْ من كل هالبلاوي الزرقا اللي فوقي وصرت واحد خفيف الوزن.
وفجأة ضحك أبو الجود وسكتْ. يبدو أنه كان يريد أن يخبرنا بشيء ما ولكنه تراجع.
قال له العم أبو محمد: ليش سكتت ولاك أبو الجود؟
قال: كنت بدي قول إنو أنا مجنون برخصة. بتعرفوا غنّيّة كاظم الساهر (لَكْعِدْ لِكْ عَ الدربْ كعودْ)؟ مرة من المرات، لما كنا في سورية، أنا حضرتْ عرسْ لواحد قرايبي. طول السهرة وأنا عَمْ أدبُك على دابِلْ والسلمونية والكوصر والعربية.. ولما غنى المطرب تبع العرس غنية كاظم "لَكْعِدْ لِكْ عَ الدربْ كعود" أنا انبسطت عالآخر، وصرت نِطّ لفوق وإنزل ع الأرض، وقُوْمْ وأقعُدْ، كأني عم بعمل درس تطبيقي على كلمات الأغنية. بعد العرسْ رحت إلى البيت، ولما تسطحت بدي نام صرت فَكّرْ.
قال أبو جهاد: فيلسوف أخونا، ما بيحسن إلا يفكرْ.
تابع أبو الجود: وسألت حالي إنو شلون الواحد بيقعد للمَرَا أو للبنت اللي بيحبا ع الدرب قعود؟ يعني، مثلاً، هيي بتكون مارقة، ومو منتبهة، وهو بيتخبى في شي قرنة، وبعدها بيطلعلا متل السعدان وبيخليها ترتعب؟
ضحك الأستاذ كمال وعلق قائلاً: أنا هلق فهمت الفكرة. يعني أبو الجود بعدما يْرَعّبها لحبيبتو بيحاول يعملْلَا مشهد رومانسي، بيضمها لصدره وبيقلا لا تخافي يا حبيبتي، كل ما في الأمر أنا حبيت أعمل لك مفاجأة. هي بتسند راسها على زندو وبتقلو يعني بغمض عيوني؟ جايب لي هدية حبيبي؟
ضحك أبو جهاد ضحك صافية وقال: هدية؟ هادا أبو نشح بدو يجيب هدية لحبيبتو؟ ومن أين عندو حبيبة أصلاً، أنا بتذكر لما كان أعزب، أبوه مَشَّطْ الضيعة تمشيط لحتى يلاقي بنت تتجوزو، وما في نتيجة. وبالأخير وافقت البنت (اللي هيي أختنا أم الجود حالياً) أنها تتزوجو، وأنا واثق إنو إذا بيرجع التاريخ لورا لحتى تمضّي عمرا كلو بلا زواج ولا تقبل تبتلي بهالبلوة.
كنا نظن أن أبو الجود سيزعل من كلام أبو جهاد. ولكنه قال وهو في منتهى الجدية:
- قسماً بالله كلام أبو جهاد صحيح. أنا نفسي، لو كنت مَرَا، وأجا واحد متلي يخطبني، بْفَضّلْ عيشْ العمر كلو بين أربع حيطان لحالي، ولا بتزوجو. يضرب في شكلو. يعني أنا، غضربْ في شكلي.