سمر رمضاني... المنحوس المرفوس (8)

23 مايو 2019
+ الخط -
قلت للأصدقاء في السهرة التي انعقدت مرة أخرى في منزل ابن بلدنا "أبو ماهر" بمنطقة (esenler) الإسطنبولية، ما معناه بأن سهراتنا الرمضانية، بشكل عام، ينطبق عليها قول الشاعر المهجري إلياس فرحات: أغَرِّبُ خَلْفَ الرزقِ وهو مُشَرِّقٌ - وأقسمُ لو شرقْتُ راحَ يُغَرِّبُ..

وأوضحتُ أنني لا أقصد الرزقَ بحد ذاته، فكلنا نحن الذين لم نذهب إلى المخيمات، واستأجرنا بيوتاً في إسطنبول أو غيرها من المدن التركية، أمورُنا المعاشية ماشية ومستورة، والدليل هو ما شاهدناه وذقناه من أطعمة لذيذة قدمها لنا العزيز أبو ماهر في وقت الإفطار.. وإنما عنيتُ بمثالي الأحاديثَ التي تردُ على ألسنتنا في السهرة، نُشَرّقُ بها ونُغَرّبُ، والعين ترانا نحكي في الطب، وبعد قليل ترانا نحكي في البيطرة، أو قلع الأضراس دون بنج.

قال الأستاذ كمال: الشاعر إلياس فرحات هونْ عَمْ يقدمْ صورة نمطية عن النحس اللي اختصّْ فيه بعضْ المشرقيين اللي هاجروا لأميركا اللاتينية قبل عشرات السنين، وكان بيناتُن شعراء سموهم شعراء المهجر، وإذا بدنا ناخد فكرة صحيحة عن النحسْ اللي حكى عنو الياس فرحات ما راح نلاقي أحسن من حالة أخونا أبو الجود اللي مَضَّى عمرو وهوي عم يلحقْ حمارْ الرزق، والحْمَارْ كل شوي بيعنطِزْ وبيضربو لأبو الجود بالجوز (يعني: بقائمتيه الخلفيتين معاً) على شفاتيرو!


مع ذلك أنا بشوف إنو الحركة اللي رسمْها إلياس فرحات، في بيت الشعر تبعو، فيزيائية وبسيطة، يعني، مثلاً؛ بيكون الرزق رايح باتجاه الغرب، وأبو الجود لاحقو، ولما بيشَرِّقْ الرزقْ بيلحقو أبو الجود بنفس الطريقة تَبَعْ توم وجيري، وبالأخير ما بيحسنْ يكمشو.. لاكن إذا بدنا نحكي في موضوع السرعة بتغيير الاتجاهات ما منلاقي أهمْ وأعظمْ من الصورة اللي ابتكرْها "امرؤ القيس" في وصفْ حصانُو لما قالْ: "مِكَرٍّ مِفَرِّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ معاً".. فوالله إنو علومْ الفيزياء والإلكترونيات والخيالْ العلمي كلها بتعجزْ عن وصفْ كائنْ بيظهرْ أنو (قادمْ ورايحْ) في نفس اللحظة. هاد أعجوبة حقيقية!

قال أبو خالد: الصورة تبع امرؤ القيس حلوة كتير. لاكن أنا عندي رجاء لأبو مرداس والأستاذ كمال أنو يتركوا الحديث في سهرتنا يمشي صوب سورية، وحكاياتنا السورية. أما الأدب فبإمكانكُن تحكوا فيه لما بتكونوا سهرانين مع بعضكن، في غيابنا يعني.

قلت: حلوة هاي عبارة "صوب سورية". طبعاً إنتوا بتعرفوا قصيدة سعيد عقلْ اللي بتغنيها فيروز من ألحان الرحابنة (نَسَمَتْ من صَوْبِ سوريَّة الجَنُوبُ)..

أصرّ أبو خالد على تجاهل أحاديث الأدب فقال: بصراحة يا شباب، أنا اندهشت من حكاية أخونا "أبو الجود" لما كان متسطح في البيت ونزلتْ قطعة البيلون اللي معجونة على شكل طينة عَ جبينو، وكيفْ اكتشفْ بعدين إنو في بنتْ كانت عم تضربْ البيلونة بالحيط في الحَمَّام لحتى يجي نصيبها وتتجوز، وإنو بالفعل هالبنت أصابت أبو الجود بالبيلونة، وصارت من نصيبو!! أنا بدي قول هون، إنو هاي الصورة مو أقل من صورة حصان امرؤ القيس المُقْبِلْ المُدْبِرْ في نفس اللحظة! وأنا، بصراحة، من لما سمعتْ هالحكاية لهلق ما عم تغادرْ مخيلتي.

بتعرفوا ليش؟
سألناه: ليش؟

قال: لأنو حَمَّامْ السوق بيبعدْ عن بيت أبو الجود أكتر من 2 كيلومتر باتجاه الغرب، ومتلما بتعرفوا بمناطقنا على طول الهَوا غربي، يعني لو الهوا أخدْ البيلونة باتجاه الشرق كانت هالبنت صارت من نصيب واحد تاني غير أبو الجود!

قال أبو الجود: يا ريت لو صارتْ من نصيب واحد غيري. يا ريت.

قال العم أبو محمد: يا أبو الجود، هلق إنته بلشتْ تخبص وتحكي شروي غروي.. قلتْ لنا المرة الماضية إنو بكل الضيعة تبعك ما في بنتْ وافقتْ إنو تتجوزك غير أختنا أم الجود، وهلق عم تقول يا ريتْ لو صارت من نصيب غيري!.. لو هالشي صار بالفعلْ، كنتْ إنته هلق عايش أعزبْ.

ضحك أبو الجود وقال: في مَتَلْ شعبي عندنا في الضيعة بيقولْ: حَطِّتْ البرغشة عَ الشِيْرْ، وقالتْ يا ترى بحطّ ولا بطيرْ؟ فرد عليها الشير: إن حَطّيتي يا آنسة برغشة مانك مبينة، وإن طرتي مانك مبينة. وأنا متل هالبرغشة، بالله عليك لو تجوزتْ أو بقيتْ أعزبْ، الأمتين (العربية والإسلامية) أيش بتفرقْ مَعْهُنْ؟!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...