سمر رمضاني إدلبي (5)

03 مايو 2020
+ الخط -
قافلة التهريب وراكب الحمار
اهتم قراء (مدونة إمتاع ومؤانسة) الأكارم بحكاية قافلة التهريب التي كتبنا عنها في التدوينات السابقة، وهي، كما ذكرنا، كانت تتبع لجميل الأسد شقيق حافظ.. وحينما نشرتُ التدوينة السابقة على صفحتي الفيسبوكية تكرم بعض الأصدقاء بالتعليق عليها، وأضافوا معلومات ذات قيمة، وبعضهم اتصل بي هاتفياً وروى لي حكايات أخرى مهمة حول الموضوع نفسه.

في لقاء الإمتاع والمؤانسة الرمضاني اليومي الذي خصصناه لذكريات إدلب قال أبو ابراهيم: هات لنشوف. احكي لنا، أشو في قصص جديدة عن القافلة؟

قال الأستاذ كمال: قبلما يروي صديقنا أبو مرداس حكاياته، أنا بدي قول فكرتين. الفكرة الأولى هي إنه إدلب ما بتقل أهمية عن بقية المحافظات من كل النواحي الإيجابية، وحتى السلبية. مثلاً، نحن منعرف، وكل أهل سورية بيعرفوا، إنه أكتر محافظة عانت من همجية أقارب حافظ الأسد هي محافظة اللاذقية، وبالأخص فواز الأسد اللي تحول لشبح مرعب.. اللادقية بتجي بالمرتبة التانية بعد مدينة دمشق اللي عانت في التمانينات خاصةً من ظلم سرايا الدفاع إضافة لكل التجاوزات الأمنية المعروفة. لكن مرور قافلة الشبيحة تبع جميل الأسد ضمن الحدود الجغرافية لمحافظة إدلب خلاها تحتل مرتبة جيدة بين المحافظات اللي بتتعرض لهمجية آل الأسد.

الفكرة التانية هي إنه جميل الأسد فهم لعبة الحكم التي بيديرها شقيقُه حافظ، وهي إنه حافظ بيسمح لأفراد عائلته إنهم (يعملوا ويتركوا) بالشعب السوري، ويمصوا دمه، ويدعسوه بأرجلهم، ويجمعوا ثروات، ويصيروا ملياردية، ويتزوجوا المرأة اللي بيستحلوها حتى لو اضطر الأمر إنه يغصبوا زوجها على إنه يطلقها.. بشرط واحد، هوي إنهم ما يتدخلوا بشغل السياسة! والدليل أنه حافظ أمر بحل جمعية المرتضى اللي أسسها جميل الأسد في سنة 1983، وكأنه عم يقول لأخوه: إنته يا سيد جميل خليك بتهريبك وسرقاتك وجمع ملياراتك، واتروك السياسة لأهلها.


قال أبو محمد: كلام كويس وسليم. أنا كتير بحب تحليلاتك يا أستاذ كمال، لكن عقلي دائماً بيبقى مشدود للحكايات. يا ريت نسمع من أبو مرداس الحكايات اللي وعدنا فيها عن قافلة التهريب.

قلت: اتصل فيني البارحة الصديق العزيز ميسر أبو يوسف من مدينة أريحا. أبو يوسف على فكرة باحث موسيقي ممتاز، وأنا دائماً بعتمد عليه لما بكتب أشياء إلها علاقة بالفن.. وبالأخص كتاب "السيرة الرحبانية الفيروزية" اللي هلق عم ينطبع في دار موزاييك- اسطنبول. قال لي أبو يوسف إنه لما قرا قصة قافلة الشبيحة تذكر على الفور قصة لا يمكن حدا يشوفها وتروح من باله، جرت في أواخر التمانينات، وهوي شافها بعينه. وكان مفكر يكتب القصة في حقل التعليقات ع الفيسبوك، لكن الكتابة بتكون أحياناً متعبة وخاصة أثناء الصيام.. ولذلك انتظر لبعد الإفطار واتصل فيني، وحكى لي القصة، وقال لي: ابقى إنته تصرف فيها ع كيفك.

قالت السيدة حنان: يبدو أن القصة مشوقة.

قلت: نعم. مشوقة جداً. أنا حكيت لكم الشي اللي بعرفه عن سلوك شبيحة القافلة، وكيف أنهم بيعتبروا الناس اللي بيستعملوا الطريق العام أعداء إلهم، لأنه، برأيهم، إنه الطريق مخصص للقافلة، واللي بيدخل ع الطريق بيكون متطفل أو معتدي على رزق غيره.

بتقول الحكاية اللي رواها أبو يوسف إنه كان في رجل ختيار من قرية "محمبل"، عمره 92 سنة، صادفته القافلة في يوم من الأيام على الطريق العام وهو ساحب جحش، ومحمل على ضهر الجحش كيس مليان طحين، وعم يقطع الطريق بالعرض في اللحظة اللي كانت فيها قافلة التهريب جاية من طرف جسر الشغور، يعني من اللادقية..

يبدو أن أبو الجود فهم القصة قبل أن أكملها فقال: هادا الختيار ارتكب غلط كبير.. رجال كبير على حافة قبره، أيش بيخليه يترك بيته ويطلع؟ وفوق منها بيسحب جحش ومحمل عليه كيس طحين؟ ما عنده أولاد؟ إخوة؟ أحفاد؟ إذا عنده ولاد وأحفاد وتركوه يطلع بيكونوا هدول ناس قليلين تربية بالفعل.

قالت أم الجود لزوجها: أشو عم تحكي أبو الجود؟ الرجال الختيار بيعمل اللي بيريده، وما بيجوز الناس تآخذه، المفروض كلياتنا نعتبره أبونا أو جدنا.

وقالت لي: انشالله ما يكونوا الشبيحة أزعجوه؟

قلت: إزعاج لا والله، ما أزعجوه، بس في شبيح كلب واطي فتح شباك السيارة وأطلق عليه طلقتين وحدة راحت في الهوا، والتانية نزلت في صدره، فوقع ع الأرض.. واللي صار إنه الشبيحة التانيين تحرك ضميرهم الإنساني فوقفوا السيارات، وشالوه، وانطلقت القافلة وهيي فاتحة زمور الخطر باتجاه أريحا بينما الجحش اللي كان راكبه الختيار بقي واقف في حالة ذهول من الحدث الفظيع اللي تعرض له صاحبه..

قال أبو جهاد: نحن مضينا عمرنا في ضيعتنا البعيدة عن هاي القصص، ولا مرة سمعنا فيها. يمكن لأني قريتنا بعيدة عن طريق اللادقية.. خيو أبو مرداس، وصاحبك أبو يوسف كيف عرف بالقصة؟

قلت: قافلة الشبيحة كانت تمر بشكل دائم في مدينة أريحا، لما بيكونوا جايين من اللادقية كانوا ينزّلوا دخان مهرب لواحد كان يشتري منهم الدخان بالجملة وبيوزعوا على كل دكاكين المنطقة، وبالرجعة من حلب كانوا ينزلوا أجهزة كهربائية مهربة لمحلات بتبيع هاي الأجهزة، المهم أنهم بهاي السفرة كانوا شايلين جثة الختيار المصاب، ووقفوا في الساحة اللي عند شعبة الحزب في أريحا، اللي كان في قدامها تمثال لحافظ الأسد (طبعاً هادا التمثال جرى تحطيمه وحرق شعبة الحزب في سنة 2011).. المهم واحد منهم فتح باب السيارة ونزل جثة الختيار وحطها عَ الرصيف، وصاروا الكل يزمروا، وفتحوا الشبابيك وتطلعوا لفوق، شافوا آرمة مكتوب عليها (الدكتور عبد الحميد شبارق) فصاروا يصيحوا للدكتور بإسمه. الدكتور عبد الحميد نزل بسرعة. قال له واحد من الشبيحة: بالله شوف لنا هالختيار عايش ولا مات؟

اقترب منه الدكتور وأصغى لدقات قلبه وقال: ميت!

فقال الشبيح: عجبك يا دكتور؟ ولك شوه الجيل البلاستيكي هاد؟ من فشكتين مات!
وأقلعت السيارات الستة في آن واحد وتابعت طريقها باتجاه حلب!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...