زلزال المغرب وحاجة عودة الدولة
يعيش المغرب هذه الأيام مرحلة تداعيات زلزال الثامن من شهر سبتمبر/ أيلول العنيف والمدمّر، والذي خلّف وراءه (كما هو معلوم) ضحايا بشرية ثقيلة، وخسائر مادية كبيرة، ومسّ حتى بعض الآثار التاريخية ذات البعد الثقافي والديني.
أخرجت هذه الكارثة الطبيعية ما في جسد المغاربة من روح التضامن والتعاون، إذ سارع الجميع، رجالاً ونساء وشباباً، إلى تقديم يد الدعم والمساندة عبر مبادرات تطوّعية إنسانية فردية وجماعية، أبهرت العالم، وأكدت أنّ بلادنا لديها ما يكفي من الطاقات البشرية القادرة على مواجهة التحديات.
لكن هذه الصورة الجميلة، والتي تناقلتها وسائل الإعلام الدولية، وشكّلت موضوعاً للمراقبين الدوليين، وحديثاً لبرامج قنوات عالمية، سرعان ما بدأت تُصاب بالخدش بفعل مجموعة من السلوكيات والممارسات التي حاولت سرقة هذه اللحظة التاريخية التي عبّر فيها المغاربة عن جسد واحد في مواجهة كارثة طبيعية.
فالأخبار التي تتحدّث عن جمع التبرعات بأشكال غير مشروعة، والتلاعب في مساعدات المغاربة، وما شابه ذلك من أخبار، بدأت، فعلاً، تشوّش على طبيعة الإجراءات التي سطّرتها الدولة لفائدة المناطق المنكوبة وضحاياها، بعد أن انتشرت العشوائية وبدأت الأمور تسير ضدّاً من أهدافها الاجتماعية والإنسانية النبيلة.
من هذا المنطلق، نعتقد أنّ الدولة مجبرة على تأكيد حضورها القوي عبر مؤسساتها وأجهزتها على أرض الواقع، على اعتبار أنّ المبادرات التطوّعية للمغاربة تنتهي في تقديم يد المساعدة والتضامن.
إنّ الدولة الاجتماعية التي لمسنا فعاليتها وقوّتها خلال فترة "كوفيد 19"، وأدارت (بطريقة نالت إعجاب الجميع وحظيت باهتمام وإشادة الهيئات الدولية) جائحة كورونا التي هزّت العالم بأسره، يجب أن تعود من جديد وتتحمّل مسؤوليتها، وتدير هذه المحطة الحرجة وفق البرنامج المتميّز الذي وُضِع من قبل أعلى سلطة في المملكة المغربية.
ننتصر للدولة القوية، ليس بمفهومها السلطوي، بل للدولة التي تشتغل في إطار القانون وتسهر على حماية المواطنين والفئات والهياكل المجتمعية
يعدّ الأمن والاستقرار من أهم وظائف الدولة الحديثة، وقيمة ذلك لا يعرفها إلا من لا ينعم بفضائل الطمأنينة والسكينة، ويعيش في ظلّ الفوضى. ولهذا ننتصر للدولة القوية، ليس بمفهومها السلطوي، بل للدولة التي تشتغل في إطار القانون، وتسهر على حماية المواطنين، والفئات والهياكل المجتمعية.
فإدارة الأزمات تعدّ كذلك من الوظائف الأولية والأساسية للدولة، لما تتوّفر عليه من طاقات بشرية فعالة وإمكانيات لوجستية هائلة، تُمكنها من اتخاذ ما يكفي من التدابير الكفيلة لتحقيق الأهداف المرجوة. ونأخذ هنا، كمثال على ذلك، مؤسسة الجيش التي تتوّفر على كفاءات وخبرات لا مثيل لها في جميع التخصّصات، وإمكانيات كبيرة قادرة على مواجهة كلّ الأزمات. وقد أظهرت هذه المؤسسة، في العديد من المحطات، فعاليتها، سواء على مستوى التخطيط، أو الدعم، أو الميدان، ليس داخل المغرب فقط، بل حتى في الخارج، من خلال مشاركة أفرادها في بعثات حفظ السلام التي ترعاها الأمم المتحدة بمختلف مناطق النزاع في العالم.
لقد عبّر المغاربة أجمعين عن شعور إنساني كبير وحسّ عال من الوطنية، وقاموا بمبادرات تطوّعية فردية وجماعية مثيرة للإعجاب. ونعتقد أنّ الأمور يجب أن تقف عند هذا الحد دون تبخيس ما تمّ القيام به وفسح المجال للدولة عبر أجهزتها ومؤسساتها لكي تملأ المجال، وتدير مرحلة ما بعد زلزال الثامن من شهر سبتمبر/ أيلول، وفق البرامج التي تمّ التخطيط لها، وتكسب بذلك ثقة المواطن وتُعيد منسوب الثقة لمؤسسات الدولة.
هكذا يجب على المغرب أن يخرج منتصراً من هذه المعركة/ التحدّي من خلال ترجمة سليمة للبرنامج الطموح الذي سطره الملك محمد السادس، وفق جدولة زمنية سريعة، تأخذ بعين الاعتبار الإكراهات الظرفية المتقلّبة، وتُعيد الحياة للمناطق التي دمّرها الزلزال، وتدخل ساكنتها في صلب النموذج التنموي الجديد، لا سيما وأنّ بلادنا حصرت المساعدات الدولية على دول معينة (قطر والإمارات العربية المتحدة وإسبانيا وبريطانيا) وفق حاجياتها، وتعرّضت في المقابل إلى حملة إعلامية شرسة وحملة سياسية مسعورة من قبل أصدقاء وخصوم. ولهذا، فرهان إنجاح محطة ما بعد الثامن من شهر سبتمبر/ أيلول يبقى ضرورياً، وهذا هو المطلوب.