رجل وامرأته يرقصان في عرس الرجال
لا يوجد اختلاط بين الجنسين في البلدة التي عاش فيها الثنائي الكوميدي (قاسم وزوجته فريدة). حينما يتقدمُ شاب من أبناء القرية لخطبة فتاة ما تذهب النساء في البداية، يجتمعن مع النساء، ويعرضن عليهن فكرة الزواج، يعددن مواصفات العريس ومناقبه، ويتكتمن بقدر المستطاع عن تصرفاته الرعناء، فإذا ذكرتْ إحدى أقارب العروس لهن حادثة تدل على أن سلوكه سيئ، ينبرين للدفاع عنه قائلات: القصة أبداً ما هي صحيحة، ولكن الناس يحسدونه على شبوبيته وأصالته وذكائه، ومع ذلك، لنفرض أنه فعل هذا الذي تقولين عنه، لا تنسي أنه شاب (جاهل)، وأيام الجهل هذه ترافق الشاب خلال أيام العزوبية، وحينما يتزوج لا شك أنه سوف يستقيم، ويصبح سلوكه محسوباً على المليمتر والديزم.
نساء أهل العروس ينقلن رغبة الخاطبات إلى الرجال، فإذا وجدن لديهم القبول، تتصل أم العروس بأم العريس، وتعلمها أن الموافقة تمت، ونتشرف بكم.
في المرحلة الثانية يأتي رجال أهل العريس ويجتمعون مع رجال أهل العروس ويتفاهمون على المال الذي سيدفعه العريس تحت مسمى مقدم المهر، ومؤخره، ويتفقون على التحضيرات المتعلقة بالاحتفاليات، ويقرأون الفاتحة على نية التيسير.
الاحتفاليات التي تُقام في البلدة (وفي كل المدن والبلدات بهذه المنطقة) مقسومة إلى قسمين، بعضها نسائي بحت، وبعضها الآخر رجالي بحت، ويستحيل أن تحدث أعراسٌ مختلطة إلا إذا كان العريس والعروس وأهلهما شيوعيين متحررين، وهذا أمر نادر.
ولكن ما حصل مع "الثنائي الكوميدي"، ذات يوم، أدى إلى الخروج عن القاعدة العامة للفصل بين الجنسين.. ولهذا الأمر قصة طريفة، وهي أن الزوجة "فريدة" عندها ابن أخ سيئ التربية اسمه (فلان)، أراد أبوه وأمه أن يزوجاه، فخطبا له فتاة ابنة عائلة طيبة وعاقلة ومحترمة، وخلال شهرين من عمر الخطبة ارتكب فلان بحق خطيبته وأهلها عدداً من الحماقات التي لا تُحْتَمَل، فمرة طلب من حماته أن تسمح له باصطحاب خطيبته في مشوار إلى السوق، فأذنت له بذلك على مسؤوليتها، شريطة ألا يتأخرا في السوق، ولكن فلاناً طلب من السائق أن يذهب بهما من البلدة إلى إدلب، وتأخرا هناك، وعرف عمه بالحادثة، فلما عاتبه عَمُّه نط فلان وما حط، وسب عمه على أخته وعِرْضِه، وقال له: هذه خطيبتي أنت أيش دخلك؟ وكان قد استدان خمسمئة ليرة من ابن حميه، ورفض إعادتها له، معتبراً أن من واجب ابن حميه أن يساعده، لأنه فقير، ويقال إنه جاء لزيارتهم ذات مرة وهو سكران، ولم يكن في البيت سوى حماته، فتحرش بها، وعندما شكاه أهل خطيبته لأبيه وأمه، وعاتباه على أفعاله، غلط بحق أبويه، فاضطر أبوه لأن يبلغ عنه الشرطة، فجاءت دورية وأخذته إلى السجن.. وحينما خرج من السجن ارتكب حماقة أخرى، فأعادوه إلى السجن بتهمة أخرى، وبالنسبة لأهل خطيبته فسخوا الخطوبة واضطر أبوها وأخوتها الشبان لأن يشتروا مسدسات ويحملوها على خصورهم متوقعين أن يعاود (فلان) الكرَّة ويعتدي عليهم.
في غمرة هذه الأحداث كان ثمة عرس للرجال يقام في ساحة البلدة، وكان الثنائي الكوميدي قاسم وفريدة يَعبران الساحة، وفجأة، ودون أية دعوة أو عزيمة، راحا يرقصان في وسط الساحة، والناس اختلطت لديهم مشاعر الفرح بالدهشة من وجود امرأة ترقص مع زوجها في عرس رجالي... دواليك حتى انتهت الرقصة، فتقدم أحدهم ومعه ميكروفون قدمه للعم قاسم وقال له: بدنا كلمة من الحاج قاسم.
وضع قاسم إحدى يديه على كتف زوجته فريدة، وأمسك الميكروفون بيده الأخرى، وقال:
- متلما بتعرفوا، أنا وامرأتي الحاجة فريدة لم نخلف أولاداً.. وكنا على طول زعلانين لأننا بلا خلفة. هلق الشغلة صارت بالعكس. أنا والحاجة فريدة فرحانين ورقصنا لأننا بلا خلفة!
قالت فريدة: أي نعم.