دردشة طويلة مع الأستاذ بشير الديك (8/10)

05 نوفمبر 2020
+ الخط -

 

ـ أستاذ بشير، علاقتك بالدراما التلفزيونية قديمة، يعني قبل ما تعمل الإمبراطور مع جمال عبد الحميد في التسعينات، كنت عملت زي ما قلت لي مسلسل (الأرض الطيبة) وعملت بعد كده كذا مسلسل داخل وخارج مصر منهم مسلسل (بنات زينب) في عز شغلك في السينما، وفاكر إن الأستاذة عبلة كامل لمعت بقوة في دورها في المسلسل ده؟

مسلسل (بنات زينب) كان عن قصة لسكينة فؤاد وكان المفروض هيبقى تلات أجزاء، وأنا عملت الجزء الأولاني وقلت خلاص الحمد لله كويس كده.

ـ لكن طبعا ما الحب إلا للحبيب الأول، أكيد برغم تألقك في شغل الدراما، لكن عندك حنين لشغل السينما بعد طول توقف؟

بص هاقولك على حاجة، بعد آخر فيلم عملته، كان تقريبا في أواخر التسعينات اللي هو كان (يتذكر)

ـ كلام الليل ولا أبناء الشيطان؟

فيلم (أبناء الشيطان) ده تخيل ما شفتوش لحد النهارده، والله ما شفتوش خالص (يضحك) أنا باتكلم عن فيلم (ليلة ساخنة) مع عاطف، كنت باحضر مع عاطف يوميا في التصوير، والمفروض إني مشارك في كتابته مع رفيق الصبان، والمدهش إننا لما اتفرجنا على النسخة الكاملة، والله العظيم هذا حدث بالفعل، الله يرحمه رفيق الصبان واحنا خارجين قال لي يا أحسن من أمسك بالقلم في السينما المصرية وأخذني بالحضن.

ـ ما كانش عنده مشكلة في التعديلات اللي انت عملتها على السيناريو اللي كتبه؟

خالص، لإن في الآخر أنا مش باعمل هندسة لما أعدل، باحط روحي في العمل.

ـ لكن برغم كل المجهود اللي كنت بتبذله في الأعمال اللي بتعدلها، وساعات بتعيد كتابتها من أول وجديد، كنت بتتساهل في وضع اسمك على الفيلم، مع إن حد تاني كان يشترط إن ما حدش يتحط اسمه على الفيلم غيره؟

أنا ما كنتش باركز في الحكاية دي، المهم بالنسبة لي إن الفكرة تعجبني وأشتغل فيها بحب، وزي ما قلت لك ما كانش عندي مشكلة إن اسم محمد خان يتحط على قصة أنا كاتبها، مع إنها في الأصل كانت عن سواق تاكسي بس مش سواق أتوبيس، انت عارف إني كان المفروض إني أكتب لخان فيلم (أحلام هند وكاميليا) جالي مرة وقالي هاقولك على سر مراتي نفسها ما تعرفوش بس الكلام ده ما يتقالش لحد، فانا اتلبشت وقلت له إيه يا عم محمد في إيه، فاكره هيقولي سر شخصي، قالي بص بقى الموضوع بنتين صحاب جدا عندهم حلم إنهم يروحوا بحر اسكندرية، قلت له وبعدين، قالي لي بس، قلت له ده السر؟ قال لي أيوه، قلت له والباقي فين يا محمد؟ قالي ما انت هتعمله، قلت له طيب ما عنديش مانع، هو عارف إني هاطلع بحاجة تالتة من الموضوع، بس كان ساعتها عندي شغل فاعتذرت له.

ـ عايز أسألك برضه عن تجربة فيلم (مرزوقة)؟

كان مع سعد عرفة الجميل، بدأنا نشتغله يوم ما اتقتل أنور السادات.

ـ كان قصتك ولا قصة سعد عرفة؟

هو كان عايز يعمل فيلم عن عالم الشحاتين، لما قالي قلت له يا سلام يالله نشتغل، وبدأنا نفكر سوا في القصة لغاية ما استقرينا عليها.

ـ هل حبيت الشغل معاه؟ كانوا بيقولوا إنه راجل صعب شوية في تعامله؟

أنا حبيته جدا، لكن هو لا يسمح لحد إنه يقرّب منه بسهولة.

ـ هل كان عنده إحساس بالمرارة لإنه شايف نفسه أهم من أسماء كتيرة في السوق؟

كان عنده مرارة بالتحديد من عاطف سالم، لإنه كان مساعد لعاطف سالم فترة طويلة، وعاطف سالم حصل على شعبية جامدة ما خدهاش، فكان عنده المرارة دي فعلا، لكن من الحاجات اللي بتحسب له إنه كان راجل نمكي ودقيق في شغله، كنا هنعمل فيلم اسمه (سكة الغايبين) كان المفروض عبارة عن رحلة في بحيرة المنزلة من أول الفيلم لآخره، واحدة جوزها غاب فراحت تدور عليه، فلقته في بور سعيد بعد ما غاب مدة طويلة جدا، وبعد ما وصلت بور سعيد لقيته واقف في سوق العرب بيبيع كيلوتات وبيقول باتنين ونص تعال بص، وعرفت إنه صرف الفلوس اللي خدها منها عشان يجيب بيها مركب، وبقى شخصية زبالة، فقتلته وقررت ترجع بجثته عبر البحيرة عشان تدفنه في القرية بتاعتهم، وعملنا معاينات لأماكن التصوير لكن ما كملش الفيلم وكان شريف عرفة ابن سعد مهووس بالقصة دي وقالي أنا هاعملها لو أبويا ما عملهاش، لكن للأسف الفيلم ما اتعملش مع إنه كان هيبقى تجربة كويسة جدا.

ـ قريت لك مرة إنك مش راضي عن فيلم (نص أرنب) اللي عملته مع محمد خان، هل لإنه اتعمل بسرعة في تلات أسابيع، ولا لإنك عملته عشان كنت مزنوق في فلوس زي ما قريت؟

هو الحقيقة محمد اللي كان مزنوق في فلوس وكان لازم نعمل فيلم، وما فيش غير فكرة الشنطة اللي اتعملت وبعدين وقعت في مكان خطأ وبيدوروا على الشنطة، حاجة زي كده.

ـ هل شفت الفيلم قريب؟

لا أنا ما باشوفش أفلامي من زمان.

 

لا ما كنتش مزنوق، بس عملته خدمة لصاحبي، بص هاقولك حاجة أنا عمري ما كنت مزنوق مادياً أبداً، مع إني ما كنتش غني أبداً، لكن أهم حاجة إنه يكون معايا الحدود الدنيا، الأكل والولاد والبتاع، وأنا طلباتي مش كتيرة، ومراتي كذلك، فعلا والله العظيم أنا عمري في حياتي ما حسيت إني مزنوق

 

ـ على فكرة أنا باحب الفيلم ده واستغربت لما قريت تصريحك، لإنه فيلم مسلي وفاكر أنا فيه مشاهد جميلة كتيرة خصوصاً في شغل الشوارع، وعشان كده استغربت لما قريت إنك اشتغلته عشان كنت مزنوق؟

لا ما كنتش مزنوق، بس عملته خدمة لصاحبي، بص هاقولك حاجة أنا عمري ما كنت مزنوق مادياً أبداً، مع إني ما كنتش غني أبداً، لكن أهم حاجة إنه يكون معايا الحدود الدنيا، الأكل والولاد والبتاع، وأنا طلباتي مش كتيرة، ومراتي كذلك، فعلا والله العظيم أنا عمري في حياتي ما حسيت إني مزنوق، وفي فترة كان عندي مزرعة في الصحراوي وكانت مزرعة كبيرة وهايلة، لكن أحمد ابني اتوفى، ولما ربنا توفاه دورت وشي الناحية التانية، خلاص، قفلت.

ـ لا حول ولا قوة إلا بالله، حصل سنة كام الحادث الأليم ده؟

سنة 92 وتوفى إيه؟ في يوم عيد ميلاده الخمستاشر، في حادثة عربية، وحصلت نقلة نوعية في حياتي بعدها، في علاقتي بربنا وعلاقتي بما أصنعه في الحياة، وعشقت التصوف في الفترة دي أوي، وقرأت ابن عربي كله.

ـ هل ده كان قبل عرض (ضد الحكومة)؟

آه، هاقولك حاجة، (ضد الحكومة) كنت باكتبه وأحمد ابني لسه موجود، وعملت علاقة أحمد زكي بابنه فيها درجة من الشبه بعلاقتي مع ابني، يعني شطرنج ومش شطرنج وأنا يقوله يا باشا مالك وبتاع، وفاكر إني في مرة مثلت مشهد مع نادية الجندي، وجالي أحمد الله يرحمه وقالي إيه يا باشا إيه اللي بتعمله؟ قالي يعني نادية الجندي وبتمثل معاها وبتاع؟ قلت له انت شفت الفيلم، قالي لأ العيال حكولي وقالوا لي أبوك بيمثل مع نادية الجندي، يعني كنا عاملين علاقة كنت باحاول أخليها ناضجة، والمهم حصلت الحادثة وفقدته، وبعدين فيلم (ضد الحكومة) خلص والمفروض هيتعرض وأنا قررت إني ما أشوفوش، ما كنتش في مود إني أشوفه خلاص، المهم عاطف الطيب ما سابنيش قالي لا أبدا ما ينفعش لازم تشوفه، وكان وقتها عدد قليل من الناس قريبين مني، عاطف ورشدي حامد ونادية الجندي ومحمد مختار، كانوا يوميا عندي في البيت، فعاطف ورشدي قعدوا يصروا إني أشوف الفيلم لحد ما خدوني عن السينما غصب عني ولما بدأت أتفرج على الفيلم حصل لي انهيار عصبي.

(يحاول مغالبة دموعه بصعوبة فأبادر إلى تغيير الحديث)

ـ نسيت وسط دردشتنا عن شغلك مع عاطف، أسألك عن تجربة مهمة جدا هي تجربة الفيلم الجميل (ناجي العلي) والهوجة اللي حصلت ضدك بعدها، وحملات التحريض من صحف مؤسسة (أخبار اليوم)، ممكن تكلمني شوية عن التجربة دي؟

هو الفيلم اتعرض في الأول في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وكان أول مرة من سنين يبقى الافتتاح بفيلم مصري، المهم بعدها بتلات أيام لما بدأوا يفتحوا النار على الفيلم، كلمني يحيى الفخراني وقالي إيه الحكاية يا بشير؟ قلت له حكاية إيه؟ قالي الفيلم اللي انت عامله ده هو في إيه بالضبط؟ قلت له ما تشوفه يا يحيى، قال لي بس قولي طيب هو فيه إيه يعني في الفيلم؟ قلت له ليه؟ قالي أصل طالبين مني إني أكتب في (أخبار اليوم) ضد الفيلم، قلت له بص يا يحيى شوف الفيلم لو ما عجبكش اكتب رأيك، ولو عجبك اكتب كده بس أنا متأكد إنهم مش هينشروا كلامك، لإن دي كانت زي ما عرفت حملة عملها إبراهيم سعدة وكان برضه مشارك فيها من خلف الستار سمير رجب، والحكاية انكشفت من ناس بلغوني بيها وعرفت إن في حملات شرسة معمولة ضدي من سمير رجب وإبراهيم سعدة غير حتى اللي بيكتبوه، وبدأوا بعد كده يكتبوا الناس ضدنا وضد الفيلم، أنا فاكر يوميها رحت لعمك صلاح السعدني، قلت له إيه يا صلاح في إيه ليه كل ده هو أنا عملت جريمة؟ قالي يتفلقوا هما رأيهم كده هما حُرّين ما يهمكش منهم.

ـ حسيت بالارتباك بعد كل الحملات دي طبعا؟

في فترة حسيت بالخوف، الخوف حتى وأنا مروح بيتنا، لإن أنا كان عندي تجربة قديمة مع أمن الدولة، وخصوصا إنهم سألوني في مجلة (روز اليوسف) عن سر الحملة دي وهل بتحصل لإن ناجي العلي ضد اتفاقية السلام، فقلت لهم طيب ما أنا ضد اتفاقية السلام ورافضها تماما ويعني ده مش سر.

ـ كلمني عن تجربتك مع أمن الدولة؟ لو تحب طبعا؟

هي حصلت زمان أيام ما كنت باكتب في مجلة (الغد) مع الأدباء الشباب قبل ما أبدأ كسيناريست، ولقطوني من قهوة ريش وتتبعوني لفترة ووروني المر فترة، وكل شوية يجوا لي ويقرفوني، لغاية أما دخلت السينما، وفي مرة جم لي البيت وأنا مش موجود، لما رجعت لقيت مراتي منهارة، إيه يا بنتي في إيه؟ قالت لي جم أمن الدولة وقالوا هو فين جوزك، هاتيه وإلا هنخش نجيبه؟ ما دريتش بنفسي رحت نازل رايح مباحث أمن الدولة اللي في شارع جابر بن حيان في الدقي ودي كانت أول وآخر مرة في حياتي أدخله، هو مبنى دورين وفيه صالة زي بهو كده، أول ما دخلت من الباب قمت فاتح صوتي ومزعق: فين ابن الشرموطة الخول ابن الخول يا جزم يا ولاد كذا أبوكو على أبو الريس بتاعكو، وبدأت الناس تطلع من البيبان، وأنا مقرر إن اللي يحصل يحصل.

فجأة لقيت واحد جاي ناحيتي جري وبياخدني بالحضن، وبيقول لي بشير مالك؟ في إيه تعال بس اهدا هو في إيه؟ مين ده بقى؟ ده كان قريب حد منتج أو تاجر لب وسوداني وكان عايز ينتج، وكنت باعمل له فيلم عبيط كده كان بتاع تيسير عبود مش فاكر اسمه، والضابط ده قريبه عارفني من الأيام دي، فالمهم قلت له في واحد ابن *** اتهجم على بيتي، عاوز أعرف مين اللي النهارده كان في شقتي، قالي طيب تعال بس واهدا، وبعد شوية قالي ده مش تصرف ضابط أبدا ده أمين شرطة أو عسكري مش فاهم، انت ماعليكش حاجة، قلت له: وحتى لو عملت حاجة ما عنديش مشكلة إنك تقبض عليا، لكن لما انتو طالعين مأمورية تسديد خانات وتعدوا على فلان وفلان وفلان، أي *** ابن *** هييجي بيتي ويتهجم على أسرتي هاموته والمصحف، قالي أوعدك بشرفي ما حدش هييجي يمّتك، وقد كان.

المهم بعد كده خدني وقعدنا في ميدان الجيزة، كان في قهوة تحت عمارة كبيرة على ناصية أول شارع مراد كده، وقالي عايزين نبقى صحاب، على فكرة أنا عندي تجربة برضه، رحت إيطاليا وعملت ما عرفش إيه وبحب السينما والفن التشكيلي، قلت له يعني انت عاوز إيه؟ قالي: نبقى أصدقاء يعني، قلت له: بص احنا ولا طالعين من مدرسة واحدة، ولا احنا جايين من بلد واحدة ولا احنا اهتماماتنا واحدة ولا بنشتغل في مهنة واحدة، يعني انت دلوقتي لو بتتكلم بالمنطق إزاي، أنا هابقى صاحبك إزاي، يعني هابقى صاحبك لمجرد إن انت ضابط؟ قعد يقولي كلام غريب الوطن ومش الوطن، قلت له هو ده مش الوطن، وبعدين انت حلفت بشرفك إن انت مش هتيجي ناحيتي، قال لي بص هاقولك على حاجة انت بتقعد في قهوة ريش، فقلت له يعني انت عاوزني أفتن على الناس يعني، انت لو عندك ابن هتقوله يفتن على صحابه، انت بتتكلم إزاي؟ قالي يعني ما فيش فايدة فيك، قلت له لا خالص إنسى معلهش خلاص، وعايز أقولك تاني لو عندكم حاجة ضدي أهلا بيكو ما فيش مشكلة خالص وانتهت علاقتي بيه.

كان في مرة قبل كده، جه عندي مين، عمك محمود الورداني، كان هربان من البوليس في قضية تنظيم شيوعي وجاي يستخبى عندي، فالولية صاحبة البيت كانت ساكنة قدامنا راحت بلغت عني المباحث وقالت لهم ده بيجي له ناس، واتخانقت معاها في الشارع، وقلت لها هو أنا باجيب نسوان عندي، انتي ما شفتيش الراجل، ده بايت جوه عندي بقى له يومين، شيوعي هربان من السجن (يضحك).

...

نكمل الأسبوع القادم بإذن الله.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.