خديجة عازفة الكونترباص الإدلبية

22 مايو 2021
+ الخط -

ملخص:

- أبو سمرة لم يستقبل صديقَه "أبو يعقوب" كما هي العادة بين الأصدقاء.

- والدة أبو سمرة كذبت على أبو يعقوب مدعية أن ابنها غير موجود، وعندما حاججها بأنه سمع صوت عزفه على الكمان، زعمت أنها هي التي كانت تعزف.

- زعل أبو يعقوب، وجمع كل الأصدقاء المشتركين بينهما، ودخلوا دار أبو سمرة بالحيلة. ولكن أبو سمرة لم يرم سلاحه، وأكد أنه كان مع والدته خارج البيت، وأن السيدة أم هادي كانت هاربة من أصوات إطلاق النار من عرس الجيران، وصلت دارَه عبر الدرج النازل من السطح، ودخلت، وشاهدت الكمنجة، فأنزلتها، وعزفت عليها "بالفلا جمالي ساري"، وأثناء العزف قُرع الباب، قالت: مين؟ وكان الطارق أبو يعقوب، وحصل ما حصل.

علق الأستاذ كمال على الحادثة بقوله:

- أنا بتمنى تكون القصة اللي رواها أبو سمرة كلها كذب، إذا بتكون حقيقية وهوي وصفها بشكل فوتوغرافي، بيكون مجرد ناقل، وما بيكون متميز عن غيره، لأن أي واحد من الناس بإمكانه ينقل الأحداث اللي شافها أو سمعها. أما إذا بتطلع القصة كذب، يا سلام، عن جد شي مدهش، ومفرح!

أبو المراديس: مدهش ومفرح بالنسبة إلك.. لكن أخونا أبو يعقوب، لما كان أبو سمرة عم يحكي، ما توقف على فرك وجهه بأصابعه، وشد شعره، وتكوير قبضة إيده، وكأنه عم يستعد لخوض معركة شرسة مع أبو سمرة، أو مع أي حدا تاني. والأصدقاء انتبهوا لهالشي، لذلك كان المفروض يتدخل واحد منهم ويعمل مؤازرة لأبو يعقوب، حتى لو كانت مؤازرة ظاهرية.. وبالفعل، لما انتهى أبو سمرة من رواية الأحداث (المُخْتَلَقَة)، رفع الصديق المشترك "أبو سليمان" إيده لفوق، حتى ينبه الجميع يصغوا إلُه، وقال:

- بشهد لك يا أبو سمرة أنك معلم! بصراحة؟ أنا بعرف كل الكذابين والبلافين اللي في هالبلد، لكن، عليّ الحلال، إذا هلق منجمعهم في صف مدرسة، أو في قاعة جامعة، ومنسلّمك طبشورة، بإمكانك توقف قدام اللوح، وتعطيهم درس نموذجي في الكذب، درس لازم يحفظوه ع الغايب، ويحكوه لأولادهم لما بيكونوا على فراش الموت، لأن بصراحة هادا مو كذب عادي، هادا كذب دسم، ومرشوش عليه توابل وبهارات! 

كان أبو سمرة عَمْ يحاول يخفي ابتسامة ارتسمت على وجهه غصباً عنه، وقال لأبو سليمان وهوي عم يغمز له بعينه:

- كمان أنت يا أبو سليمان عم تتهمني بالكذب؟ على كل حال بسيطة، إنتوا شايفين إني إنسان يتيم، وفقير، وما إلي سند، عم تتكاتروا علي وتكذّبوني؟ أنا بدي أفهم، وين الغرابة في إنه الست أم هادي تعزف عالكمنجة "بالفلا جمالي ساري"؟ ولا العزف برأيكم من اختصاص الرجال والزلم؟ يا أبو سليمان أنت ما شفت في التلفزيون برنامج "لغة العالم" اللي بيقدمه فاهيه تميزجيان؟ الله وكيلك تلت عازفات الكمان في الفرق السيمفونية الكبيرة نسوان. أما أشو نسوان يا خاي؟ شي بيكسر الظهر. أنا مرة شفت وحدة عم تعزف ع الكونترباص في فرقة سيمفونية. بتعرفوا يا شباب بوقتها أشو خطر لي؟

أبو نادر: مع أنك مفكر تميِّعْ القصة، بس معليشي، احكي لنا، أشو خطر لك؟

أبو سمرة: خطر لي تكون هالبنت مولودة هون في حارتنا، وخلينا نفترض أن إسمها خديجة. وعلى قد ما هي كويسة الآنسة خديجة، بيبلشوا الخَطَّابات يدقوا باب أهلها. كل يوم بيندق الباب وبيدخلوا تلات أربع نسوان، وبيطلبوها لإبنهن.. وحدة منهن بتقول لأم خديجة:

- نحن جينا لعندكن بعدما صلينا ركعتين لله، ودعيناه يلهمكن إنكن ما تخجلونا، يا ستي إلنا الشرف إذا بتعطونا بنتكن خديجة لابننا محمد. وأوعي يا خيتو تفهميني غلط، وتسأليني إنه من وين محمد بيعرف خديجة؟ لا والله، ما بيعرفها، ولا بحياته وقعت عينه عليها، بس يا قلبي على خديجة، صيتها معبّي البلد، حسن وجمال وتربية وأخلاق وحسب ونسب..

حنان: بتعرف يا أبو المراديس؟ هادا صاحبك أبو سمرة بيحكي وكأنه عن جد بيشتغل خَطَّابة. النسوان هيك بيحكوا بالفعل.

أبو المراديس: نعم. وتابع أبو سمرة رواية قصة البنت المفترضة (خديجة) لضيوفه، وقال إنه بيجيها كل يوم مجموعة خطابات، وبالأخير بيعطوها لواحد منهم.. هون إنتوا بتفكروا إني القصة انتهت. لا عيني لا، لأن جمال خديجة كان عامل عقدة نفسية لتلات ارباع شباب الحارة، ولحتى ما تطلع البنت لبرة، صاروا شباب الحارة يحرضوا ابن عمها "عموري" إنه يخطبها، وأقنعوه يوقف في طريقها من مبدأ أن (جحا أولى بلحم توره)، ابن عمها عموري جمع ولاد عمه، وولاد خاله، يوم عرس خديجة، وهجموا على أهل العريس، وعلقت معركة دامية راح فيها شي تلات قتلى، ما عدا الجرحى والمرضوضين..

أبو المراديس: لما انتهى أبو سمرة من عرض قصته المتخيلة، تدخل أبو سليمان من جديد، وقال:

- وصلت الفكرة اللي بدك تقولها يا أبو سمرة. بدك تقول إن عزف النسوان على الكمنجة مو عيب، والبنات اللي بيعزفوا في أوروبا جميلات وذكيات، ولو كانت الوحدة منهن بنت حارتنا كان بيوقع منشانها قتلى. لكن، مع احترامنا إلك، هادا الحكي ما بيمشي علينا. وبالنسبة للقصة اللي حكيت لنا ياها بدنا نمشي فيها خطوة خطوة، ونفرجيك أنه كلها من تأليفك. أولاً، في حارتكم كلها ما في مرا اسمها أم هادي، تانياً، في حارتكم ما صار عرس وإطلاق نار في هالفترة، تالتاً، بكل إدلب ما في مرة بتحسن تنط من سطح لسطح من دون ما توقع لتحت وتتكسر، أي أشو هيي قطة ولا أرنب؟ رابعاً، في كل إدلب ما في مَرَا بتنزل على دار ناس غربا، ولما حدا بيدق الباب هي بتردّ عليه. بقى اعترف إنك كنت عم تكذب، واعتذر لصديقك أبو يعقوب، لأنك كنت في الدار، وعم تدق ع الكمنجة، وما استقبلته.

أبو سمرة: أنا بعتذر لأبو يعقوب ع كل حال، وهلق بوجودكم راح أبوس راسه.. لكن..

أبو يعقوب: لكن أشو؟

أبو سمرة: أنا بعترف بأن مو أم هادي اللي كانت عم تعزف ع الكمنجة.. الحقيقة إن في قصة تانية.. إذا بتحبوا بحكي لكم ياها.

أبو يعقوب: لأ. دير بالك تحكي لنا قصة تانية. خلص خيو. أنا وصلني حقي، وسامحتك. يا سيدي وأنا راح أبوس راسك. هه.

والتفت أبو يعقوب على رفقاته وقال: يخرب بيته هادا مستعد يضل يكذب للصبح!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...