جيوش إلكترونية وتسقيط سياسي
من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي تهدّد المنظومة الأخلاقية هي ظاهرة التسقيط السياسي والاجتماعي التي تُلقي بتداعياتها على التعايش الاجتماعي بين المكونات المختلفة، إذ أصبحت اليوم تستهدف شرائح اجتماعية مختلفة وشخصيات سياسية أو دينية، لها مكانة اعتبارية أو رمزية، وهي محلّ احترام وتقدير لدى الآخرين.
مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أخذت الظاهرة بالانتشار، وتكوّنت جيوش إلكترونية على المواقع كافة، وهذه الجيوش مدعومة بالمال السياسي وتقودها أحزاب جنّدت المدوّنين، وبعض الكتّاب ممن رهنوا أنفسهم وباعوا أنفسهم وضمائرهم بأبخس الأثمان من أجل نشر الكذب والافتراءات واختلاق أساليب من البدع والتضليل للتأثير في العقل الجمعي، وتحقيق غايات سياسية ودينية دنيئة، تثير البغضاء والعداوة، ولها تداعيات خطيرة في صفوف المجتمع.
ونحن اليوم نلاحظ أنّ أغلب الصفحات التابعة لهذه الجهات على مواقع التواصل الاجتماعي، تُدعم من قبل فصائل وتيارات سياسية، من أجل تحسين صورتها أمام المجتمع، وفي الحقيقة هذه الجيوش أصبحت تسقط فئة على حساب الأخرى، ترفع الكفة الفلانية وتنزل أخرى. ولو كانت الحقيقة كما يدعون، لما عملوا على زجّ الجيوش الإلكترونية من أجل إظهارهم بأحسن صورة.
أحيانا يرمون غالبية المجتمع العراقي بتهم وأمور سيئة، محاولين سلبه فضائله، رغبة في تسقيط هذا الكيان وكل من يؤمن به
تبنّى البعض التسقيط السياسي، واتخذوه منهجاً لضرب خصومهم والتأثير المباشر فيهم، بينما انبرى البعض الآخر لتشويه وتسقيط الرموز الدينية البارزة والشخصيات الاجتماعية، وباتوا يمارسون حيلهم التضليلية عن طريق التشويه الفكري للموروث الديني والاجتماعي، ودسّ أفكارهم المنحرفة في حقائق ثابتة توارثها هذا المجتمع، مستنداً في ذلك إلى المنبع الحقيقي لتلك الأفكار والموروثات، بل أحياناً يرمون غالبية المجتمع العراقي بتهم وأمور سيئة، محاولين سلبه فضائله، رغبة في تسقيط هذا الكيان، وكلّ من يؤمن به.
إنّ ما يمرّ به العراق حالياً، من أزمة سياسية وشعبية، ليس بالأمر الهيّن، ولا بالأزمة العابرة، كما أنّها ليست أزمة مستعصية على الحلّ، بل كلّ شيء ممكن في عالم السياسة والتجاوب مع المطالب المشروعة والقابلة للتنفيذ حالياً ومستقبلاً، ولكنهم مصرّون على تحدّي الشعب، من خلال مواقعهم وصفحاتهم التي تبثّ الزيف والتنكر، قاطعين الوعود والأمنيات، ومستخدمين هذه المواقع من أجل تحسين صورهم والكذب على المجتمع. منذ سنوات، وهم يماطلون من أجل البقاء على منصّة الحكم، وهذا دليل قاطع عليهم، حيث هدفهم توارث الحكم وبقاء العراق كما هو عليه.
أما حين يعجز هؤلاء المأجورون عن ضرب هذا المكوّن والانتقاص من موروثاته الدينية والاجتماعية، فإنهم يعمدون لضرب رموزه الدينية والشخصيات المؤثرة، فيحاولون إلصاق أقوال وافتراءات بها لتشويه صورتها، وسلبها مقامها الديني والاجتماعي، وبالتالي إضعاف دورها المؤثر الذي اكتسبته من خلال فكرها الذي تتبنّاه، وبذلك يتحقّق عزل الفكر وعلمائه عن المجتمع، وتخلو الساحة للمحرّفين والمضلّلين، بهدف هدم المنظومة الأخلاقية للمجتمع.