جولة في مشوار الأستاذ علي عبد الخالق (9)

15 يونيو 2021
+ الخط -

أواصل نشر الحوار مع المخرج الكبير علي عبد الخالق عن تجربته الفنية الممتدة والثرية:

ـ أستاذ علي، خضت تجربة إخراج فيلم (ظاظا) بعد فترة توقف طويلة وشغل في الدراما التلفزيونية، كانت إيه ملابسات هذا الرجوع للسينما؟

اللي شجعني للرجوع بالفيلم ده تحديدا، هو إن الموضوع عجبني جدا وكان سقف مناقشة السلطة وأحوالها في البلد عِلي جداً في الفترة دي، يعني في الأول كنا بنجيب مخبر فاسد، بعد شوية أمين شرطة، بعد شوية ضابط، بعد شوية محافظ وشوية وزير، لكن دي كانت أول مرة نتكلم عن رئيس، وكنا حاطين في أول الفيلم إن هذا يحدث في بلد ما، وده اللي عداه لإن السيناريو قعد ست سنين الرقابة رافضاه، وعشان نصور أي مشاهد في الشارع لازم ناخد تصريح من الداخلية عشان يتصور، ولو بعثنا السيناريو للداخلية هيترفض، وكان من شروط الرقابة إننا ما نبينش أي معالم ليها علاقة بمصر، يعني تاكسي شبه تاكسيات القاهرة أو اسكندرية أو لبس ضباط الشرطة، يعني كنا حاطين سبلايت أحمر على بدلة ضابط الشرطة، لكن برضه حرصت إننا ما نعملش غربة أوي عشان الناس برضه تحس إننا بنتكلم عنهم، يعني لبس الحرس الجمهوري مش نفس لبسنا لكن قريب منه، وهكذا في باقي الاختلافات البسيطة اللي عملناها عن اللي موجود في واقعنا.

لما الفيلم اتوافق عليه من الرقابة، الفيلم دار على منتجين كتير واعتذروا، ولما تبناه هاني جرجس فوزي عرضه على مخرجين كتير واعتذروا عنه لإنه يخوف، وتحمست له وعملته وفاكر إن لما الفيلم اتعرض رحت أتفرج عليه في أحد سينمات المولات مع مراتي وبنتي، وبعد العرض الناس في القاعة اتلموا عليا وسألوني إزاي الفيلم ده اتوافق عليه؟ إنت مش خايف؟ والفيلم حقيقي ما كانش في عليه موافقة بعد ما خلصنا تصويره، وبعد ما عملنا الأفيشات وجهزنا البروموهات عشان الدعاية، وكنت وقتها باعمل مكساج للفيلم، وكنت باسهر كل يوم من 8 بالليل لعشرة الصبح عشان أخلص النسخة اللي هتتطبع، وفاكر إن الرقابة اتفرجت على الفيلم وهو نسخة عمل، يعني ديالوج وصورة بدون موسيقى، وبعدها علي أبو شادي اللي كان مسئول على الرقابة قال للمنتج ابعتوا حد ياخد الموافقة، فمديرة الإنتاج راحت لقت تقرير الرقابة بيقول إن الفيلم مرفوض، مع إن علي أبو شادي قال إنه موافق، وكان لازم اللي يحسم الموضوع هو وزير الثقافة فاروق حسني فاتصلوا بيه لقوه في باريس، وأصبح الفيلم في خطورة وكان ممكن ما يتعرضش، واللي أنقذ الفيلم هو رجل الأعمال نجيب ساويرس لإنه صديق المنتج هاني جرجس فوزي وكان مساهم بمبلغ في الإنتاج، لكن هاني هو المنتج، هو اللي عمل كل حاجة في الفيلم ونجيب بس ليه نسبة من الإيرادات، لما ينجح الفيلم يسترد فلوسه، وما كانش ساويرس حاطط اسمه، كان عامل ده مساعدة لصديقه هاني جرجس.

المهم نجيب ساويرس كلم فاروق حسني في باريس وحكى له على الوضع، ففاروق حسني قرر تشكيل لجنة برئاسة الدكتور جابر عصفور رئيس المجلس الأعلى للثقافة وكان فيها الناقد سمير فريد، وأنا ما حضرتش العرض اللي هتشوف اللجنة فيه الفيلم لإنه كان متأخر وأنا باكون في الوقت ده نايم، اللي حضره هاني رمزي بطل الفيلم وطارق عبد الجليل المؤلف والمنتج هاني جرجس، وبدأ جابر عصفور يشوف الفيلم وزي ما حكوا لي، كان كل ما يشوف حاجة تقلقه في الفيلم يقول: إيه ده؟ فسمير فريد يقول له: لأ ما فيهاش حاجة، فيعديها، إلى إن جه جزء تشبث فيه بالحذف وتم حذف عشرين دقيقة من الفيلم، وما كانش في وقت للمعارك وإلا ما كانش الفيلم هيشوف النور، لإن الفيلم كان فاضل أيام على موعد عرضه، وإحنا وصلنا للوزير فجاب لنا الرجل التاني في وزارة الثقافة، هنروح لمين تاني، وجابر رجل عصفور رجل محترم جدا ولو حد غيره ما كانش هيعدي الفيلم برغم كل اللي اتحذف.

أنا اتعودت ما أندمش على حاجة حتى لو كانت كويسة جداً، اتعودت ما أبصش ورايا، والحقيقة الفيلمين نجحوا وعاطف الطيب عملهم كويس جدا

الحقيقة الفيلم ده باعتبره ظرف استثنائي لإني كنت مقرر إن آخر أفلامي يكون فيلم (يوم الكرامة)، لكن ما كانش ممكن أرفضه لإنه بيطرح قضية جديدة، وكنت عارف إن هيبقى في مشاكل، لكن ما كنتش متردد ولو للحظة وأنا باعمله، ومنتجه كان عارف إنه هيتعرض لمشاكل وعمله، والفيلم فعلا مقلق، لكن هو كان عنده الجرأة وغيره كشّ، شركات كبيرة وأسماء محترمة كشّت، والسينما المصرية ما اتعودتش على هذا النوع من الأفلام إننا نوصل لحد الرئاسة، وكل الظروف هي الموجودة في الفيلم هي الظروف اللي مصر في الحياة وإن الرياسة شاخت وكان لازم شاب يحكم، ولما جه شاب الدولة الأجنبية تستخدمه رفض فقتلوه لإن الكل لازم يدور في الفلك الأمريكي.

ـ عملت فيلم واحد فقط مع وحيد حامد هو فيلم (بنات إبليس) المأخوذ عن مسرحية عالمية، كان إيه صدى الفيلم جماهيرياً، وليه ما كررتش التجربة تاني؟

فيلم (بنات إبليس) نجح جدا ونزل في العيد الكبير وكان من أول حفلة كومبليه ـ كامل العدد ـ أنا كان عندي مع وحيد حامد 3 تجارب لم تر النور بعد الفيلم ده، كان منهم (البريء) اللي عمله بعد كده عاطف الطيب لما اعتذرت عنه، ومنهم كمان (التخشيبة) اللي برضه عمله عاطف، وبالمناسبة الفيلم ده أنا اللي مسميه، والخلاف فيه كان بيني وبين المنتج على الأجر، أما (البريء) فوحيد كان بعث لي ملخص ليه وقلت له أنا ما أحبش أعمل الفيلم ده لإنه هيرمي على فترة عبد الناصر، وأنا باحب فترة حكم عبد الناصر، قال لي أنا ما باقولش عبد الناصر ولا السادات، قلت له هيترمي عليه لإن هو اللي في فترته كان في اعتقالات كتيرة وأنا مش حابب أعمل ده، وأنا عارف إن فترة عبد الناصر فيها أخطاء بس فيها إيجابيات كتير.

ـ بعد ما فيلم (البريء) نجح وأصبح علامة سينمائية مهمة ما حسيتش بندم لإنك ما عملتش الفيلم؟

أنا اتعودت ما أندمش على حاجة حتى لو كانت كويسة جداً، اتعودت ما أبصش ورايا، والحقيقة الفيلمين نجحوا وعاطف الطيب عملهم كويس جدا، بالمناسبة الفيلم التالت اللي ما عملتوش مع وحيد كان اسمه (جحا يحكم المدينة) اللي عمله وحيد مسرحية، والفيلم ده ليه قصة، يعني في منتج صديق مش حابب أقول مين، قالي أنا عايزك عندي موضوع كتبه وحيد وعرضه عليا، واداني السيناريو ولما رحنا بيه الرقابة وافقت مديرة الرقابة على أساس يتكتب إنه يحدث في مدينة ما، واتفقنا على كده ولما خلص السيناريو، ابتديت أطلب من المنتج طلبات يعني مثلا لبس الحرس لازم يتفصّل، مكتب رئيس المدينة لازم يتعمل ديكور، فراح بعث لي في يوم جواب على يد محضر بيقول متشكرين ليك أوي والعربون احتفظ به، وفي الوقت ده كان العقد يدي الحق للمنتج إنه يغير المخرج، وطبعا ده ضايقني جدا فلما قلت لوحيد قال لي لا يمكن إنت مخرج الفيلم وقالهم لأ الفيلم ده بتاع علي عبد الخالق، لكنهم كلموا سمير سيف عشان يخرج الفيلم، فوحيد كلم سمير وقال له يا سمير الفيلم ده بتاع علي وحصل كذا كذا، جابوا نادر جلال فكلمه وحيد وقال له ده فيلم علي عبد الخالق، بس نادر كمِّل، والفيلم ده كان موافق عليه عادل إمام من الملخص وواخد عربون، وهو في الوقت ده نجم كبير وكله بيتهافت عليه، وطبعا عمل ده ثقة في وحيد وثقة فيا ومضى على الملخص، وكنا متفقين مع عادل إمام وسعيد صالح قبل ما يكون في سيناريو، وكان بالنسبة لي الموضوع خلصان.

المهم إن الراجل المنتج ده قبل ما يبعث لي الجواب كنت باكلم وحيد في مرة وباقوله أنا الراجل المنتج ده تاعبني ومش هيطلع الفيلم حلو، فقال لي باقولك إيه أنا واصف فايز ـ المنتج وصاحب شركة أفلام مصر العربية التي أنتجت أنجح أفلام عادل إمام في الثمانينات ـ بيقول لي إنه مستعد ياخد الفيلم ويدي عشرة آلاف جنيه للمنتج فوق المصاريف اللي دفعها، لإن المنتج كان دفع لوحيد أجره كامل ودفع لي جزء من أجري أنا وعادل إمام، فالمهم كلمت المنتج وقلت له ده ممكن يكون حل كويس انت لسه ما عملتش حاجة خالص في الفيلم، هتاخد فوق مصاريفك عشرة آلاف جنيه، قال لي طيب هافكر، بس وبعدها لقيت الجواب اللي على يد محضر، فقلت لوحيد أنا ما عنديش مشكلة، كمل انت والفيلم ماشي وفيه عادل إمام وأكيد هيكسب، لكن وحيد أصر الحقيقة على إن ده فيلمي، وده موقف يحسب له، بعدها بعث المنتج جواب على يد محضر لوحيد، إنه الأستاذ نادر جلال بيطلب تعديلات على السيناريو ولو إنك ما عملتش التعديلات دي هنجيب سيناريست تاني يشتغل على السيناريو، راح واخد بعضه على المنتج المسرحي مطيع زايد وكان عنده مسرح في باب اللوق وقال له بص أنا عندي مسرحية، وأنا في شهر ممكن أديها لك بس بشرط إنك تعملها فورا، قال له خلاص وجاب سمير غانم وعمل المسرحية وكان ده من حقه قانونا إنه يحول فيلمه إلى مسرحية، وطبعا اتقفل على الفيلم وما اعرفش حصل إيه مع المنتج اللي غروره صور له إنه ممكن يعمل اللي هو عايزه، وده موقف أحب أحكيه لوحيد حامد طالما بنأرخ لشغلي، وده موقف ما يعملهوش الكثيرين، أو ما يعملهوش حد خالص حتى.

...

نكمل غداً بإذن الله.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.