تضرب أنت والغرفة السرية يا إبني

17 ابريل 2019
+ الخط -
في مستهل جلسة "الإمتاع والمؤانسة" قال الأستاذ كمال جملة أغضبتْ بعض الحاضرين، السبب أنه صاغها بطريقة فيها شيء من التَعَالُم والاستعراض الثقافي، وهي التالية: ليس المهم الفكرة، المهم الحكاية التي توصلنا إلى الفكرة.

وقال له أبو جهاد: أشو قصتك يا أستاذ كمال؟ يعني شايفنا دراويش على باب الله، وجاية تجرب الفهم تبعك فينا؟


قال كمال: أنا بعتذر، والله ما قصدي.. بس كنت بدي قول إنو كل الناس في سورية بيعرفوا أنو اللي بيروح على مركز الاستفتاء وبيقول "لا" لحافيييظ الأسد (ولإبنو القاصر من بعدو) بيعْلَقْ مع المخابرات عَلقة إلها أول وما إلها آخر، لاكنْ هلق إذا حدا بيحكي لنا هيك حكي ممكن نتدايق منو، ونشعر بالملل، لأنو شي معروف.. أما إذا بيجي واحد وبيحكي لنا حكاية عن شخص قال (لا) للقائد حافييظ، وأشو صار معو نتيجة ذلك، بتكون حقق أمرين، الأول هو إمتاعنا ومؤانستنا، والتاني هوي إيصال الفكرة إلنا بشكل سلس ولذيذ.

قال العم أبو محمد: طيب تفضل إنته احكي لنا شي حكاية وخلينا نستمتع ونوصل للفكرة متلما عم تقول.


قال كمال: كانت عمتي الحاجة عيوش إذا بدها تنتقد امرأة مولعة بتقليد غيرها من النساء تقول: هاي فلانة بتقلد الأكابر بلبس البوابيج! هون في إشارة إلى أن المرأة الدرويشة اللي بتلبس شحاطة بلاستيك ماركة "زَنُّوبا" إذا شافت مَرَا غنية لابسة بابوج بتقلدها، وبتنسى أنو كل تياب الغنية باذخة، مو بس بابوجها. وهادا الشي بينطبق بحذافيرو على نظام بيت الأسد الديكتاتوري، اللي كل عندو مظاهر انتخاب الرئيس سخيفة وسيئة وتدل على الاستبداد والتعسف ما عدا مظهر واحد، اللي هوي وجود غرفة سرية في كل مركز استفتاء مخصصة لمن يريد أن يدلي برأيه (موافق أو غير موافق) على ترشيح الرفيق المناضل حافيييظ لرئاسة الجمهورية.

قال أبو إبراهيم: الأستاذ كمال عم يناقض نفسو، قال بدو يحكي لنا حكاية، وبلش يعرض علينا فكرة..

قال كمال: لو صبرت علي شوي، كنت وصلتك لبداية الحكاية. قصدي حكاية الأستاذ مالك اللي كان طالع من مركز الاستفتاء وماشي ع العريض وكأنو مواطن دولة أوربية معبر عن رأيو بمسألة وطنية، وإذا بيشوف سيارات عم تلتف حولو، وبينزل منها عناصر مسلحين بطريقة السقوط المتتابع: طُبْ طُبْ طُبْ طُبْ، والالتفاف حوالو، ارفاع إيديك لفوق ولاه كر.

رفع إيديه وهوي على وشك عمل كل شي في تيابو من شدة الهلع.. تعال معنا.. ناس دفشو وناس شحطوه وناس تولوا عملية ضربو بالبوكس، والرفس، والبصاق في وجهو، لحتى صار في السيارة، والسيارة انطلقت بسرعة البرق، المهم وصلوه ع الفرع، ومثل قدام الضابط الكبير اللي بيسموه المعلم.

قال له المعلم: ولاه كر، ليش انتخبت ضد السيد الرئيس؟ شو هوي اللي مو عاجبك بالسيد الرئيس يا ابن الـ ..؟
بصعوبة بالغة استطاع الشاب أن يقول للمعلم: أنا انتخبت السيد الرئيس.

قال المعلم: كذاب. ولاه ابن الـ.. أنت ما شفت الناس كيف عم تنتخب. الكل عم ينتخبوا علنا، وبيقولوا نعم، وفي ناس أوادم بتجرح أصابيعها وبتقول نعم بالدم لقائد المسيرة.. ما حدا دخل عالغرفة السرية غيرك!

قال الشاب: بس والله العظيم أنا قلت نعم.

تتمة الحكاية أن المعلم أمر بوضع الفتى في المنفردة إلى حين الانتهاء من فرز الأصوات، وصدور النتيجة النهائية. والغريب في الأمر أن الأصوات في ذلك المركز الاستفتائي كانت نتيجتها نعم بنسبة 100% ولا 0% والمعلم أمر بإطلاق سراح الشاب في اليوم التالي، وقال له: أنت مواطن شريف، ونحن تأكدنا أنك انتخبت السيد الرئيس، بس يا ابني في المرة الجاية لا عاد تدخل على هي الزبلة، الغرفة السرية. شو بدك بهالعلاك؟!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...