تركيب عَدَّادات للمدخنين
عندما أقدم الدكتور الظريف "مجاهد" على تعيين الفتى الأهبل "سحلول" بصفة ممرض مداوم في عيادته، شرح لصديقه عبد الله فلسفته الخاصة بهذا الأمر، وهي أن الفصول الكوميدية التي ستجري في العيادة بسبب وجوده ستكون ممتعة ومسلية. وأضاف بأن هذه الفصول سيأتي مَنْ ينقلها إلى الخارج، وسيجري تداولُها بين الناس، وبعض الشخصيات الهزلية الشهيرة الموجودة في مدينتنا سوف تُشَغِّل خيالَها الإبداعي، وتبتكر قصصاً جديدة وتنسبها لعيادتنا، وأما القصص التي حدثت بالفعل فلا ريب أنهم سيغيرون فيها ويبدلون، لتصبح جديرة بالحفظ والتداول بين الناس..
قال له صديقه عبد الله: ولكن، يا دكتور مجاهد، لا تؤاخذني، هذه عيادة طبيب، وليست تياترو.
فضحك مجاهد وقال إن المنافس الوحيد له في المدينة هو الدكتور "أشرف"، وللحقيقة والتاريخ فإن "أشرف" متفوق عليه في المجال العلمي للمهنة، لأنه، أي أشرف، يتابع ما يصدر من كتب طبية جديدة في كبريات الجامعات الغربية، بينما مجاهد يمضي أوقات الفراغ في اللهو والضحك ولعب الطرنيب، ولكن، مع ذلك، فإن عدد الزبائن الذين يدخلون هذه العيادة يومياً يعادل ضعفي الزبائن الذين يدخلون عيادة أشرف، والسبب الوحيد لذلك هو أن مجاهد دائم المزاح والدعابة بينما وجه أشرف يشبه وجه رجل فقير يعيش مع أسرته الكبيرة في منزل صغير، وفجأةً يأتيه مندوب البلدية لينذره بهدم المنزل خلال أسبوع من تاريخ تلقي هذا الإنذار.
ويضحك مجاهد ويقول لعبد الله: هل تعرف حكاية الأصدقاء الأربعة مع الدكتور أشرف؟
قال عبد الله: لا والله. أسمعني إياها.
فحكى له حكاية الأصدقاء أبو مطيع وأبو محمد وأبو الخير وأبو عبدو الذين كانوا يراجعون الدكتور أشرف لأجل مرض القلب وتضيق الشرايين، وكانوا، قبل وصولهم إلى عيادته، يحفرون حفراً صغيرة في الزقاق ويخبئون فيها علب السجائر، لأن أشرف، عندما يعلم أن المريض مدخن، يكفهرُّ وجهه ويصبح مثل أيام الصقيع في الشتوية، حيث الشمس تكون ساطعة ولكنها مكشرة، وأشعتها تصبح كابية، وبرك الماء الموجودة في الأزقة تتجمد، إذا دستَ على واحدة منها دون أن تنتبه، تتزحلق، وتقع على عظم العصعص وتصيح بالمقلوب: آخ يا أبي تعال شوف ابنك..
وكان الأصدقاء الأربعة يمتنعون عن التدخين قبل أن يأتي موعد المعاينة بساعتين، ويمضغون أوراق النعناع التي تزيل رائحة التدخين من الفم، لأن أشرف إذا شم رائحة فم المريض المدخن سرعان ما يعمل له محاضرة علمية، ويعدد له مضار التدخين، ويُطلعه على آخر نشرة طبية وردته من جامعة هارفارد الأميركية وفيها أن الدخان يؤذي الجسم أكثر من أي شيء في العالم.
قال عبد الله: طيب، وبعدين؟
قال مجاهد: ذات مرة كان الرجال جالسين في المقهى، يشربون الشاي الثقيل ويدخنون على هواهم، وإذا بالدكتور أشرف يمر أمام المقهى، وبمجرد ما رآهم انقلبت خلقتُه.. وفي أول زيارة لهم لعيادته فاجأهم الممرض بأن الدكتور أشرف قد وضع إشارة إكس بجوار أسمائهم، مع توصية بعدم استقبالهم في عيادته بعد اليوم.. ولا شك أنك تتوقع تتمة القصة، وهي أنهم أصبحوا زبائن مداومين عندي.. وقد سمحت لكل واحد منهم بتدخين أربع سجائر كل يوم فقط، على مسؤوليتي الطبية.
قال عبد الله: ولكنهم يستغفلونك. أنا أعرف ومتأكد أن أقل واحد فيهم يدخن خمسين سيجارة في اليوم!
ضحك مجاهد وقال ممازحاً: والحل برأيك؟ هل نركب لهم عَدَّادات تحصي عدد السجائر التي يدخنونها؟.. يا سيدي، المريض الذي يخرج من العيادة ليته ينتحر. أنا أيش دخلني؟!