تحليل رياضي... من يهدي إليّ عيوبي؟

27 نوفمبر 2022
+ الخط -

من الغريب جداً أن يتفق المحللون في الاستوديو الرياضي لمباراة كرة قدم، على أنه يجب استبدال اللاعب الفلاني، فيقوم المدرب على الأرض بإجراء هذا الاستبدال فوراً وكأنه يسمعهم!

وأنا لا أستغرب لهذا الأمر، إنما العجيب فعلاً هو استنكار هذا اللاعب وحده لذلك التغيير، بل واعتراضه على مديره الفني، والتلويح بيده، وتمتمة لسانه بعبارات استهجان ورفض وسخط، وكأن مدير الحوار في الاستوديو وضيوفه الكرام في الدوحة قد تآمروا مع المدرب ضده!

قد يتفق رفاقك كلهم أجمعون على أنّ بك عيباً في سلوكك وخللاً في أخلاقك، لا تخطئه العين ولا يحتاج إلى كثير تمعن ولا إثبات، ولكنك تصُرّ إصراراً وتلح إلحاحاً على أنّ الجميع يظلمونك، بل ويتآمرون عليك، ويكيدون لك لغاية في أنفسهم جميعا !

إنّ حالة الإنكار هذه ستفسد عليك حياتك الدنيا قبل الآخرة، لأن أطول قسم في القرآن (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا، وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا وَالسَّمَاء، وَمَا بَنَاهَا وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا، وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاه)، قضى بكل وضوح أنه "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها".

إنّ كثيراً من منغصات العيش وعثرات الطريق وخيبات الأمل تعمل كما أجهزة الإنذار ومؤشرات التنبيه في السيارات والأجهزة الإلكترونية لتخبرك أنّ خللا ما في شخصيتك عليك أن تتداركه فورا

إنّ كثيراً من منغصات العيش وعثرات الطريق وخيبات الأمل تعمل كما أجهزة الإنذار ومؤشرات التنبيه في السيارات والأجهزة الإلكترونية لتخبرك أنّ خللاً ما في شخصيتك عليك أن تتداركه فوراً، وتعمل جاهداً على إصلاحه، تربيةً ومراناً، وإلا فإنّ الإهمال سيفسد عليك سياراتك وجهازك الإلكتروني، ونفسك التي بين جنبيك.

إنّ الموفق واللبيب من التقط الاشارة وأدركها وسعى لها سعيها بغير إبطاء ولا إنكار قبل أن تداهمه فجأة النقمة وزوال النعمة وجهد البلاء وشماتة الأعداء ونعوذ بالله من أن تخذلنا المرآة فنخرج على الناس في كامل قبحنا ونحن نظن أننا حدّ التأنق والجمال. وإذا تصورت أنّ كل من حولك مجانين فهذا يعني أنك أنت المجنون حقا.

لعبنا في سجننا السياسي في معتقل بوسليم زمن، معمر القذافي، لعبة كرسي الصراحة مع أحد الرفاق، وأغلظ عليه الشباب في الأسئلة لإثبات عيب في سلوكه لدرجة أنني استحييت له وعاتبت الشباب حينها أنهم أكثروا عليه وأحرجوه.

ولكن بدا لي أن الشاب كان مخلصاً وحازماً مع نفسه وأخذ إجماع الشباب على سلوكه على محمل الجد، لدرجة أنه قال لنا ذات مساء بعد طول محاسبة وفطام أنه سيخرج من السجن قريباً، لأنه قد استوعب تماما ذلك الخلل النفسي الذي جاء به إلى هذا المكان الموحش.

ولم تمض عدّة شهور حتى جاءه الفرج، آية بيّنة لي وللمنتقدين والمنتفعين والمتفرجين والمنكرين على حد سواء. وقد قال ابن الجوزي تشخيصا "مِن أشَد أنوَاع البَلاء أن تَنْتَكِسْ ويُوهِمَكَ الشَّيْطَان أنّكَ مُستَقِيم"، وقال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، علاجا ومداواة: "أحبّ الناس إليّ من رفع عيوني إلي"، كما قال الله في كتابه العزيز: "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساه ".

فرج كريكش
فرج كريكش 
كاتب ومدون ليبي من مدينة درنة الليبية، رجل أعمال وسجين سياسي سابق في سجون معمر القذافي. يعبّر عن نفسه بالقول: "دونك الظل وقل: رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير".