بين ميسي ورونالدو... هل كرة القدم عادلة؟
"ليست عادلة.. الجانب الأسوأ من اللعبة، إنه لا يستحق نهاية كتلك، يجب أن يُعطى قليلاً من الإنصاف".
هذه السطور هي ما خطرت في بالي فور فوز الأرجنتين بكأس العالم، وأقصد بذلك اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو، الذي أعطى للكرة الكثير، واجتهد أكثر من أي لاعب كرة قدم آخر، حتى من ليونيل ميسي! صحيح أنّ ميسي هو الموهبة الأنقى في العالم وساعدته كثيراً موهبته الفطرية مع الاجتهاد بالطبع، لكن الموهبة وحدها لا تكفي والأمثلة على برهنة ذلك لا تُعد ولا تُحصى.
ربما مشاعري تلك مفهومة كوني أشجع رونالدو، وكون أنّ تفكيري يطغى عليه التأمل في المستقبل أكثر من اللحظة الحالية. ففي حالة الحديث عن الفترة التي يعيشها النجمان، فما حدث بالطبع هو أمر منطقي لكريستيانو رونالدو الذي تقدّم به بالعمر كثيراً، هو لا يعيش أفضل حالاته النفسية والبدنية والفنية إلى جانب مشكلات مع ناديه مانشستر يونايتد، والتي انتهت بفسخ عقده، دون أن ينتهي الأمر هنا، حيث توفي مؤخراً ابنه حديث الولادة. تعدّدت الأسباب والنتيجة واحدة، لم يعد كريستيانو قادراً على المنافسة كما اعتاد وعوّدنا.
على نقيض ذلك، يعيش النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي أفضل لحظات النضج الكروي والاستقرار الفني والنفسي، إذ حارب لأجل شعب ومنتخب الارجنتين لتحقيق حلمهم وحلم أسطورتهم، أي الظفر بالكأس الأغلى في عالم كرة القدم. نعم هذه حال الفترة الحالية، وهي منطقية ومنصفة لليونيل ميسي، لكن كيف لمشجع كريستيانو رونالدو أنّ يرى في المحافل الدولية دعوة ميسي ليلمس كأس العالم في حين أنّ رونالدو لا يستطيع فعل ذلك لأنه لم يفُز به!
لم يعد كريستيانو قادراً على المنافسة كما اعتاد وعوّدنا
هناك بروتوكول خاص بكأس العالم، لا يلمسه إلا من فاز به؛ فكيف لأسطورة البرتغال واللاعب الأكثر اجتهاداً في العالم عدم لمس كأس العالم! ذلك غير منصف لمسيرته وتاريخه على الإطلاق، لا أعلم حقيقةً كيف ينظر مشجعو ميسي إلى رونالدو، ربما البعض يشعر بتفوّق أسطورته على البرتغالي، وربما البعض الآخر يشعر بالشماتة مع أنه شعور غير إنساني بالمرة، لكن بالتأكيد هناك مشجّع منصف يرى أنّ رونالدو يستحق نهاية مع منتخب بلاده أفضل من هذه النهاية!
ختام كريستيانو رونالدو الحزين والباهت لتاريخ كبير ومسيرة حافلة لا يمكن اختزاله بتلك اللقطة؛ فهو بالتأكيد فَعل للجماهير ولكرة القدم الكثير. أما ميسي فلم أكن يوماً من محبيه كونه الغريم لمن أشجعه، علماً أنّ حبّ لعبة كرة القدم بدأ معي من مشاهدة مهارات اللاعب البرازيلي رونالدينيو، أسطورة البرازيل بالملعب، قبل تغلغل التكتيك والتكنولوجيا بكرة القدم. كبرت أشاهد أميركا اللاتينية يمثلها لاعبو البرازيل بمهاراتهم الأفضل في العالم، ثم تعلّقت بريال مدريد وكريستيانو رونالدو منذ لفت الأنظار إليه في لشبونة، لذلك وجدت ميسي موهبة الأرجنتين الفذة وملهم أبناء كتالونيا الغريم التقليدي لكلّ ما أحبه باللعبة، إذ كان دائماً الحاجز المنيع أمام فوز من أشجع، ما أعطى للمنافسة بُعداً آخر. لكن هذا لا يعني أني لا أحترم مجهوده وأنتشي بموهبته الساحرة في لقطات استثنائية لا يمكن لغيره القيام بها.
حقيقةً، لم يكن أمام ميسي غير خيار الفوز بكأس العالم حتى يتخلّص من عبء مقارنته بالأسطورة دييجو مارادونا، ما جعله يلعب من مبدأ أنّ الخسارة غير ممكنة بالنسبة له. أضف إلى ذلك أنه لم يكن بحاجة للظفر بكأس العالم حتى يثبت أنه الأفضل كما الحال مع كريستيانو رونالدو، إذ لم يكن ينقصه شيء خلال مسيرته وتاريخه الكروي.
ربما مشهد بكاء رونالدو يؤكد أنّ المجهود وحده لا يكفي، والتعوّد على القمة لا ينبغي أن يتمادى بالإنسان لدرجة تجعله لا يحسن تحديد الوقت الذي ينبغي فيه أن يكتفي من التحدّي. كما أنّ مشهد رفع ميسي كأس العالم يبرهن أنّ الموهبة العظيمة لها حكم أعلى من بعض الظروف، فهي تنظم المجهود وتوفّره وتحسن استغلاله وتخطف الأنظار وتفاجئها بغير المتوّقع.