بين متلازمتين: استوكهولم و"استكبول"
"متلازمة استوكهولم" ظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاون مع من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له، مثل أن يتعاون معه، حيث تظهر فيها الضحية التعاطف والانسجام والمشاعر الإيجابية تجاه الجلاد، تصل إلى درجة الدفاع عنه والتضامن معه. وتتلخص هذه الظاهرة في الحادثة المرتبطة بها التي جرت في السويد في مدينة استوكهولم في سبعينيات القرن الماضي، حيث احتجزت عصابة مجموعة من الرهائن، من ضمنهم فتاة، وفي نهاية الأمر انتسبت هذه الفتاة إليهم بعد خروجها من عملية الاحتجاز بشهرين، لتصبح "مجرمة أكثر من المجرمين أنفسهم"!
ظاهرة مشابهة لكن في سورية بصورة "منحبكجي" موالٍ
فرغم الأهوال التي مرّ بها الشعب السوري منذ تسلّم حزب البعث وآل أسد، إلا أن تعاطف "المنحبكجية" مع جلادهم عجيب وغريب كظاهرة تستحق الدراسة أسوة بظاهرة متلازمة استوكهولم. ناهيك عن الاستماتة بالدفاع عنهم على المنابر كافة وعلى النطاق المحلي وحتى الدولي، والالتحاق بصفوف الشبيحة والمليشيات المقاتلة ضمن إطار تحالفه ضد باقي الشعب الأعزل، الذي لم يدخر الأول جهداً في تدمير مدنه وسبل عيشه وضرب أعماق بنيانه الاجتماعية والخدمية والاقتصادية والمعيشية.
ظاهرة "السوركيين"
يعيش العديد من السوريين، في دول أوروبا عموماً، وتركيا "خصوصاً"، حالة مشابهة لمتلازمة استوكهولم، وهي امتداد لظاهرة "المنحبكجي" في سورية، التي قد تختلف "قليلاً" من ناحية العنف المترافق بدرجة أقل. يعيش أشخاصها حالة اضطراب اجتماعي ونرجسي عميق! حيث يبرر هؤلاء "السوركيون"، الذين خرجوا من عباءة الأسد وظلمه إلى عباءات الدول المستضيفة، يعيشون حالة فصام مع الماضي أو لنقل إن شئنا تضاداً مع الواقع!
لا يجد "السوركي" من بأس في ألا ينتقد أي تصرفات تعتبر من أبسط حقوقه الآدمية وأبسط أبجديات الديمقراطية، فضلاً عن كونه خارجاً من حرب وصراع كان في أمس الحاجة للوقت ليستعيد فيها وعيه وعافيته بعد صدمات أقلّ ما يعبّر عنها بأنها "صدمات الناجين من الموت"! فلا يحق لك الخروج أو الدخول أو الاجتماع أو التكلم بلغتك الأم أو ممارسة عاداتك وتقاليدك التي ورثتها في بلدك الأم، وأيضاً فليس من حقك الاعتراض أو إبداء رأيك بالمواضيع المعنيّة بشأنك، بحجة أننا ضيوف أو بزعم أن القانون لا يسمح أو بمزاعم أخرى!
نجم عن هذه "التقارير" اعتقالات بالجملة، ثم تبين لا حقا بعد محاكمات ومرافعات مطولة أن هذه التقارير كيدية وكاذبة، ظاهرها إثبات ولاء وباطنها تصفية حسابات شخصية
أيضاً لا يرى "السوركي" من بأس في أن يبرر الانتهاكات التي تحصل هنا وهناك بحق أبناء جلدته من السوريين، كالتي تحدث في مراكز الاحتجاز الإداري التابعة للهجرة أو في مراكز البوليس أو العنف الذي يجري على الحدود والذي يصل أحياناً إلى القتل الخطأ وحتى العمد!
طبعاً لا يُفهم من كلامنا، أننا نقول علينا أن نتخذ سلوكاً منافياً للآداب العامة والقواعد المجتمعية للدول المضيفة، أو ألا نراعي القوانين العامة أو حتى الخاصة باللاجئين! بل يجب علينا ذلك وجوباً، لكن المشكلة تكمن في أن القوانين قد تطبّق بطريقة تعسفية أو ربما لا يجري الالتزام بها من قبل المضيف، كقضايا الترحيل الإجباري إلى "مناطق غير آمنة" كما هو الحال في مناطق الشمال السوري، وكقضايا تعتبر من أبجديات الحريات؛ كحرية التنقل بين المدن وحرية التعبير وحرية السفر خارج الدولة المستضيفة. فإن كانوا لاجئين لا يعني أن يكونوا سجناء بلا حقوق! وهذا الأمر تكفله كل الاتفاقيات والأعراف الدولية، وحتى "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".
من هو "السوركي"؟
يعرّف "السوركي" بأنه شخص متماهٍ بشكل لا منطقي مع سياسة البلد المستضيف، نرجسي وأناني، لا يأبه لشؤون غيره، عديم الإحساس تجاه قضايا أبناء جلدته، حساس جداً وممتن بدرجة عالية تجاه أفضال الدولة المستضيفة وكأنها عطايا وليست حقوقاً "دولية" متفقاً عليها وتجري على جميع الشعوب التي تعرضت لكوارث الحروب والنزاعات، كالتي حدثت أخيراً في أوكرانيا.
أيضاً فهو بليد لا يتأثر بالنقد المضاد، لديه لوازم كلامية كمرض نفسي يعيش فيه، فهو لا يستطيع التخلص منها (وإن أراد). من هذه اللوازم عبارات كـ"يا غريب كون أديب"، (وهي أكثر العبارات المستفزة) عند القيام بتصرف مألوف في سورية وغير مألوف في بلد الاستضافة. وأيضاً "بالناقص، الله لا يردو" عند ترحيل أو سجن سوري أخطأ، وكان الإجراء أقسى مما ينبغي، وغيرها. وهي عبارات تعتبر من أحقر أسلحته، فهو السلاح الذي يستخدمه للتذكير دوماً بأفضال "الغير" المزعومة لتقدم بدورك فروض "السجود والتعظيم"!
"طق البراغي والفسفسة"
لا ننسى أيضاً مسألة مهمة، هي سلوك تربى عليه الشبيحة "المنحبكجية" البعثيون، وهو سلوك الوشاية بالآخر، بما يعرف في سورية بـ"الفسفسة" أو "طق البراغي"، أسلوب المخبرين السريين، ويكونون عادة من المدنيين البعثيين، وغير البعثيين، المتعاملين مع أفرع المخابرات وأفرع الأمن. هذه الفئة من السوريين لم تستطع التخلص من هذه الخصلة، حتى مع رفضها لسلوك نظام الأسد وجرائم عناصره وجيشه!
فقد توجهت هذه الفئة إلى دول الجوار، حالها كحال ملايين السوريين كلاجئين، مثلهم مثل المعارضين الأصليين الحقيقيين، إلا أنهم تميزوا بولائهم "للقائد الملهم" أياً كان، حتى مع تغيير البلاد، فهم لا بد أن يدينوا بالولاء لأحدهم، أو يدينوا بالفضل والمن لطرف ما، حتى ولو كان على حساب أبناء جلدتهم من اللاجئين.
حيث نقل هؤلاء "المنحبكجية - السوركيون" أدواتهم، ومنها "التقارير الكتابية" والوشايات الهاتفية أو الزيارات الدورية لوسطاء أفرع الأمن أو الزيارات المباشرة، نقلوها إلى بلدان اللجوء كنوع من إثبات الولاء وكوسيلة للتقرب من أجهزة الاستخبارات من أجل مكاسب شخصية، كالحصول على تسهيلات للحصول على الجنسية مثلاً، أو الحصول على امتيازات معينة أو مكاسب مادية يعتاشون منها.
وهذا ما شهدته الساحة في تركيا كثيراً، ونجم عن هذه "التقارير" اعتقالات بالجملة، ثم تبين لاحقاً بعد محاكمات ومرافعات طويلة أن هذه التقارير كيدية وكاذبة، ظاهرها إثبات ولاء، وباطنها تصفية حسابات شخصية.
وأخيراً، لا تشعر بالدهشة عندما تسمع تعليقات وردود فعل "السوركيين"، من قبيل: "أدرك أنهم يضيقون علينا، لكن لمصلحتنا"، أو "أعرف أنهم يخالفون القانون بتجاوزاتهم تجاهنا، لكن بسببنا، فنحن نعطيهم فرصة بكمية أخطائنا، فهم في بلدهم ونحن ضيوف".
هذه الظاهرة كمن خرج من "تحت الدلف إلى تحت المزراب"، كما في المثل الشعبي المعروف، وقد أطلقت أنا على هذه الظاهرة "متلازمة استكبول" على اعتبار أنّ أغلب اللاجئين السوريين مقيمون في تركيا وبإسطنبول على وجه الخصوص.
وعليه..
لا يحق لكائن من كان له كرامة وتوّاق إلى الحرية أن يستبدل العبودية بعبودية، والذل بذل والهوان بهوان! فإذا كانت هذه فكرتك، فلم خرجت أصلاً وماذا استفدت فعلاً؟!