بركات فيليب روث تحلّ على آل باتشينو (3/3)

18 اغسطس 2021
+ الخط -

ـ من المثير مراقبة القدرة المتوازنة التي قمت بها بمزج الكوميديا بالتراجيديا في الفيلم، وهوما يتسق في واقع الأمر مع الطريقة التي كتب بها فيليب روث الرواية أيضا، وعبر عن ذلك في جملة بالرواية لم ترد في الفيلم؟

دائما كنت أعتقد أن هذه أفضل طريقة لتقديم فيلم هو أن تقوم بمزج التراجيديا بالكوميديا، تماما كما يحدث في الحياة، فنحن لا نقول في أيامنا العادية اليوم سيكون كوميديا أو سيكون تراجيديا، بل نرى وسط المآسي الكبيرة لحظات كوميدية، والعكس، بل ويحدث هذا المزج في نفس اللحظة، عندما تعود إلى أول أفلامي (داينر) الذي رآه الكثيرون فيلما كوميديا، لا زلت أتذكر عرضا نقديا مبكرا وصف الفيلم بأنه دراما باعثة على الاكتئاب.

ـ (يعلق مقدم الندوة ضاحكا) النقاد لا يخطئون أبدا.

صحيح (ساخراً) وقد حدث هذا وقتها لأن الفيلم ربما بحكم قصته لم يبد كأنه كوميديا، وكان لابد له من تصنيف إما أن يكون كوميديا أو تراجيديا، لكن في حالة فيلم مثل (التواضع) لديك فرصة للمزج بين الجانبين دون أن تكون مضطرا للتصنيف، وهذا أمر مبهج.

ـ مع أني لا أجد فكرة التقدم في العمر في أغلب جوانبها مضحكة.

(ساخراً) لكنها مضحكة للأصغر سنا.

ـ بعد أن أشير إلى الجورب الجميل الذي ترتديه دعني أن أقل لك إن فيلمي الأكثر تفضيلا من بين أفلامك هو (داينر) هل فكرت في أن تقوم بعمل جزء ثاني له بعد كل هذه السنين، أعتقد أن هناك فرصة لنرى كيف تطور مسار الشخصيات؟

ربما أفكر في عمل أجزاء ثانية أتابع فيها بعض قصص أفلامي السابقة، لكن ليس من بينها (داينر) بالضرورة، لكن ربما يهمك أن تعرف أنني سأحضر قريبا جدا في واشنطن عرضا مسرحيا موسيقيا بعنوان (داينر) تم استلهامه من الفيلم، لنرى كيف سيتقبل الناس هذه المسرحية، أتمنى أن يحبوها.

ـ لقاؤك الأول مع آل باتشينو كان من خلال فيلم (العدالة للجميع) الذي قمت بكتابته، ثم عملت معه في أكثر من عمل، وبصراحة باتشينو برغم أنه ممثل عظيم، لكن خلال الفترة الماضية لم يكن كذلك في كثير من أدواره، لذلك كنت أريد أن أعرف كيف تمكنت من استعادة حالة التألق لديه كما لم أره كذلك منذ فترة طويلة، ما هي المفاتيح التي استخدمتها لتصل معه إلى هذه الحالة؟

لا تنس أنني قدمت معه فيلما لقناة إتش بي أو، وأعتقد أن أداءه فيه كان مدهشاً (يضحك السائل ويعتذر لأنه نسيه) لكن على أية حال، في الحقيقة كل ما أفعله مع آل أنني أستغل علاقتي الطويلة به لأوصل له ما أريده منه، لكن مشكلتي مع باتشينو هي أن لديه طاقة مدهشة وقوة جبارة وكل ما أحتاج له كمخرج هو أن أقول له علينا أن نتمهل هنا، لا نحتاج إلى هذه القوة في الأداء هنا، هذا كل ما يمكن فعله مع طاقة ضخمة وممثل شجاع مثل آل لا يخاف التجريب، ولذلك فقد كان ممتازا في المشاهد الكوميدية التي يصمت فيها ولا يقول أي جمل ويؤدي ببساطة، ومع ذلك يحقق لك أفضل ما تتمناه.

روبن كان شخصاً رائعاً، كان أمراً مريعاً ما حدث له، أتذكر موقفاً شديد الدلالة يمكن أن يقول لك الكثير عن روبن ويليامز، كان ذلك في فيلم (صباح الخير يا فيتنام)

ـ أفهم أن العملية لم تكن مجهدة؟

إطلاقا، التعامل مع آل سهل جدا، وبالنسبة لي هي تجربة عظيمة جدا.

ـ أريد سؤالك عن اختيار الممثلين المصاحبين للبطل الرئيسي في الفيلم؟

حاولت خلال اختيار الممثلين أن يكون هناك تناغم بينهم يزيد من مصداقية الفيلم، لذلك كان اختيار دان هدايا وديان ويست سهلا، ديانا مثلا عملت مع آل سابقا وهناك تناغم بينهما، لكن جريتا جيرويج جاءت متأخرة جدا إلى الفيلم، حيث انضمت إلينا قبل أيام من تصوير الفيلم، كان اختيار هذه الشخصية مرهقا جدا، لأنك لا تبحث فقط عن بطلة، بل تبحث عن شخصية تجتمع فيها كل المتناقضات التي قدمتها الرواية لشخصيتها، والحقيقة أن جريتا تناغمت مع الفيلم كأنها كانت طرفا فيه منذ البداية، يكفي أن تعرفوا أن المشهد الأخير لها في الفيلم والذي يعتبر أكبر مشهد لها في الفيلم تقريبا والذي تقدم فيه مواجهة قوية مع شخصية آل باتشينو كان مشهدها في أول يوم تصوير ـ يصفق الجمهور بقوة لأن أداءها كان خارقا في هذا المشهد بشكل استفز باتشينو لكي يخرج أفضل ما عنده أيضا ـ وأتذكر أنني نظرت إليها مندهشا وهي تؤدي وقلت لمن حولي "هذا جيد".

ـ تحدثت عن تفاصيل كثيرة في الفيلم ليست موجودة في الرواية، هل يمكن لنا أن نعرف إذا كان فيليب روث قد شاهد الفيلم بعد صنعه وهل تحدثت معه عن هذه التغييرات أصلا؟

عملية شراء الرواية لم تتم في حالتنا من خلال اتفاق بين المؤلف والمخرج، بل من خلال المحامين لضمان حقوق الكاتب المادية، لكني أعتقد أنه سيتفهم أن روايته ليس سهلا اقتباسها كما هي، وأن هناك فارقا كبيرا بين كتابتها كرواية وبين تحويلها إلى فيلم، ولذلك قمنا بالتركيز على الشخصية الرئيسية التي لديه، أعتقد أنه سيتفهم ذلك.

ـ أظن أن هذا أفضل فيلم تم اقتباسه عن رواية لفيليب روث.

أتمنى، لم أتابع الأفلام الأخرى، لكني أعرف أن هذا الفيلم كان صعبا، لأن اقتباس فيليب روث بشكل عام صعب.

ـ قمت لأكثر من مرة بتوجيه الراحل روبن ويليامز، هل يمكن أن تشاطرنا البعض عن تجربتك معه خصوصا في فيلمكما الجميل (صباح الخير يا فيتنام) الذي قام فيه بتقديم أداء مدهش؟

روبن كان شخصا رائعا، كان أمرا مريعا ما حدث له، أتذكر موقفا شديد الدلالة يمكن أن يقول لك الكثير عن روبن ويليامز، كان ذلك في فيلم (صباح الخير يا فيتنام) الذي سألت عنه، أذكر أنه كان هناك مشهد يتحدث فيه مع بعض الجنود الموجودين في مدرسة للتدريب وكانوا حقيقيين وليسوا ممثلين، وكان يفترض أن يدور بينه وبينهم حوار طويل، شعرت أنه لم يؤده كما يجب ربما لأنه كان عصبيا، ذهبت إليه وقلت له: روبن انسَ الحوار المكتوب، أريد منك أن تتحدث مع هؤلاء الناس، وتفهم ما الذي يمكن أن يفكروا فيه، وأدر معهم حوارا بطريقتك أنت، لنرى ما الذي يمكن أن يقولوه لك، وبالفعل ذهب إليهم وبدأ يتحدث معهم لفترات طويلة، مما شجعهم على أن يحكوا له تجاربهم، وعندما جاء وقت التصوير ودارت الكاميرات لم أقم بإيقاف المشهد، بل وجدت أنه على أكمل ما يرام، حتى عندما كنا نتوقف بين اللقطات كان روبن يذهب إليهم ليواصل حواره معهم وكأنه يرغب في التعرف عليهم أكثر، أعتقد أن هذه كانت أفضل ميزة لدى روبن كانت تجعله دائما خفيف الظل وقادرا على إضحاك الناس من أعماق قلوبهم، هو أنه كان لديه اهتمام شديد جدا بالناس، كان مفتونا بالبشر وتفاصيلهم وحكاياتهم، وهذا هو الذي جعله يكون مؤثرا عليهم، وأن يبدو كأنه لا يقول حوارا مكتوبا بل يتحدث بشكل عفوي طول الوقت، وأنه لا يقع تحت ضغط أنه يفكر في أن يظهر خفيف الظل، وهذا هو أهم مفتاح لقراءة روبن ويليامز في رأيي.

ـ مشروعك القادم قرأت له اسما غريبا (روك ذي كازبا) هل يمكن أن تحدثنا عنه؟

هو فيلم يمزج بين الكوميديا والتراجيديا، من بطولة بيل موراي وتدور أحداثه في أفغانستان، في كابول بالتحديد، حيث يتم استدعاء نجم روك أمريكي سابق يلعب بطولته بيل، لحضور برنامج غنائي، لكنه يجد نفسه عالقا هناك، بعد أن يضيع جواز سفر، ويطل الفيلم على جانب لم نره من قبل مع أنه حقيقي، هو مسابقة باسم "أفغانستار"، شيء يشبه أمريكان آيدول لدينا، برنامج ضخم هناك، ويرتبط بعلاقة تجمعه مع فتاة أفغانية تقوم بتعريفه على البرنامج وعلى ما يحدث في كابول وعلى الغناء والموسيقى في ذلك المجتمع الغني موسيقيا.

ـ هذا يتطلب شجاعة أن تقدم عملا كوميديا وسط هذا التوتر الذي يعيشه العالم الإسلامي؟

الحقيقة العمل مثير للاهتمام جداً وأنا متحمس له بشدة.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.