النطاط يراقب مَسيرات تأييد الأسد

09 يوليو 2019
+ الخط -
الأحاديثُ التي سَرَدَهَا ضيفُ سهرات "الإمتاع والمؤانسة" الجديد أبو عمار، وذكرياته عن أيام مَسيرات التأييد للديكتاتور حافظ الأسد، فتحتْ شهيةَ الحاضرين على رواية هذا النوع من الحكايات، وصار كل واحد من الموجودين يريد أن يروي حادثة مشابهة، أو أكثر.

قال الأستاذ كمال: لا تنسوا يا شبابْ إنُّه نحنا عَمْ نحكي عن "الفرجة"، وأخونا أبو عمار قَدَّمْ لنا رأيْ مهمْ لَمَّا قالْ إنُّه حتى الأشياءْ السخيفة التافهة اللي بتصيرْ على أرض الواقع ممكن ينتجْ عنها مشاهدْ طريفة بتستحقّْ الفرجة.


قال أبو إبراهيم: أنا بوافقْ على فكرة ضيفنا "أبو عمار"، وببصم له بالعشرة على أنها صحيحة مية بالمية، وبضيفْ عليها إنه وجود ظاهرة مسيراتْ التأييدْ الإجبارية اللي كانوا يسموها (عفوية) بتفرزْ شخصياتْ مضحكة، متل شخصية الرفيق "أبو هداد" اللي كان يشتغل ضمنْ الطاقمْ الإداري لمدرستنا..


قال أبو الجود: أنا بعرف أبو هداد. واحد وسخ ومؤذي.

قال أبو إبراهيم: نعم. ونحن من زمان بَطَّلْنَا نسميه أبو هداد، وأطلقْنا عليه لقب "النطاط".

قال كمال: لحظة إذا بتريد أخي أبو إبراهيم. كلامك ذَكَّرْني بقصة فكاهية كتبها الأديبْ الراحلْ "أديب النحوي"، فيها شخص عجيبْ، أهل حارتُه لقبوه "النطاط".

قال أبو محمد: وليش بقى لقبوه "النطاط"؟

قال كمال: لإنُّه كان عضو في لجنة استملاك البيوت المخالفة لنظام البناء في البلدية، وبنفس الوقت كان يمتلكْ بيت مْخَالِفْ للأنظمة، ولما اللجنة (اللي هوي عضو فيها) أجتْ عَ الحارة، وطلبتْ من الأهالي إخلاء البيوت منشان يهدموها، (نَطّ) من مكانُه بين أعضاء اللجنة، ووَقَّفْ مع الأهالي، وصار يحرضهم ضد اللجنة ويقول لهم: ديروا بالكم، ترى هاي اللجنة جاية مخصوص لحتى تخربْ بيوتنا.

قال أبو إبراهيم: حلوة هالقصة. لاكن النطاط تبعنا مواصفاتُه بتختلف. أولْ شي نحن عندنا في المدرسة عددْ من الوظايفْ الإدارية: مدير- أمين سر- موجه- أمين مكتبة- مدرس.. وأما صاحبْنا النطاطْ فما كنا نعرف أيش هيّ وظيفتُه بالضبطْ. أحد الزملاء كان يعتقد أنه عنصر مخابراتْ مُفْرَزْ للعملْ في مدرستنا، والدليلْ إنه كان يغطّْ ويغيبْ عن المدرسة طول أيام السنة، ويظهرْ في أيام الاحتفالات والمسيرات العفوية (الإجبارية).. وأكترْ شي كان يميزُه (النَطّ)، لأنك بتكون قاعد في الإدارة ما بتلاقيه غيرْ نط ودخلْ، من دون ما يستأذن.. وكان يتركْ الكراسي المعدة لاستقبال الضيوف وينطّْ عَ النافذة، ويقعد على حافتها وينزل رجليه لتحت، ويلَوِّحْ فيهُن لقدامْ ولَوَرَا. وكان يدخل عَ الحديث ويقاطع المتكلم حتى لو كان المتكلم هو المدير، ويمدح حافييظ الأسد، ويشيد ببطولاته وانتصاراته وديمقراطيتُه وصموده وتصديه للعدوان الإسرائيلي وللمخططات الإمبريالية، ويدعونا، في آخر كلامُه، للوقوف (وراء الأسد صَفَّاً واحداً).. وفجأة بينط وبيروح باتجاه البوفيه وبيقول (رايح أوَصّي لكمْ على شاي)، وبيرجع بعد شوي وبيكمل خطاباتُه، لحتى يوصل لبيت القصيد، وهوي إعلامْنا بأنه القيادة (لا يعرف أحد عن أي قيادة يتحدث) كَلَّفِتُهْ بمهمة صعبة، وهيي مراقبة الزملاء اللي بيغيبوا عن المسيرة.. وبيقول: بس المشكلة إني بحبكم، وما بيهون علي إني أتسببْ بأذى أي واحد منكم، ولاكِنْ، بطبيعة الحالْ، أنا ما بتساهل في موضوع الصمود في وجه الإمبريالية، والالتفاف حول القيادة الحكيمة.. هاد خط أحمرَ! لذلك أنا بْفَضِّلْ إنه الكلّْ يلتزمْ بالتعليمات، وما تخلوني إضطر للأذى..

قال العم أبو محمد: يخرب بيتُه هالنَطَّاطْ شو وَسَخَة!

قال أبو إبراهيم: يا عمي أبو محمد أنا بشوف إنه الشعب السوري في مجمله شعب آدمي، وطيب، وأخلاقه نبيلة، ولكن حكم حافييظ الأسد خلق حالة من الفسادْ، وأَوْجَدْ عددْ كبيرْ من الوسخات، متل النطاط.. ولكن في الوقت نفسه كانت تصير أشياء بتستحق الفرجة، متلما عملنا نحن بالنطاط مرة من المرات.

قال أبو جهاد: أشو عملتوا فيه؟

قال أبو إبراهيم: كان في مسيرة تأييد للدكتاتور حافيييظ بمناسبة خطيرة كتير هي مناسبة الحركة التصحيحية.. وبعدما اجتمع فينا النطاط وأعطانا توجيهاته لضرورة المشاركة والالتزام والالتفاف حول القائد،.. إلى آخره، نَطّ وطلع من المدرسة، لحتى يقوم بمهمات سرية أخرى. أما نحنا فقعدنا مع بعضنا في غرفة المدرسين واتفقنا على خطة محكمة، وبموجب هالخطة غبنا كلنا دفعة واحدة عن المسيرة!

قال أبو زاهرْ: مع احترامي إلك. هاي مو شجاعة. هادا تهورْ.

قال أبو إبراهيم: هاد اللي صار، بس النطاط ما استطاع يكتب أي تقرير للمخابرات بأي واحد منا.

قال أبو جهاد: غريبة. شلون مَرَقْتُوا منها؟

قال أبو إبراهيم: اتفقنا على جواب واحد موحد. لما أجا النطاط يوم السبت صباحاً وبلش يسأل عن سبب تقاعسنا عن الاشتراك في المسيرة المظفرة، كنا نقولْ له: ولو يا أبو هداد، أشو نسيتْ؟ أنت قلت لنا لا تطلعوا بالمسيرة. ولما سألناك ليش قلت لنا إنه في اعتبارات أمنية، وإنك أنت ما بتحسن تقول قدامنا أيش هي الاعتبارات.. لأن (القيادة) أوصتك إنه ما تحكي قدام حدا!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...