"المقالح" كجزء من ذاكرة اليمن الوطنية
يمكن الكتابة عن جوانب كثيرة في شخصية الشاعر والأديب اليمني، عبد العزيز المقالح، الذي توفي في الثامن والعشرين من نوفمبر/ تشرين الماضي، حيث عُرف المقالح على المستوى اليمني والعربي كشاعر وأديب وناقد، وأحد الروّاد في تجديد القصيدة العربية الحديثة، وعُرف أيضا كمفكر ومثقف كبير.
في طفولتي كنت على اتصال بروّاد الحركة الثورية في اليمن، أولئك الذين قادوا ثورة 1948 الدستورية وثورة السادس والعشرين من أيلول/ سبتمبر 1962 ضد الحكم الإمامي، هذه الصلة تتمثّل في قراءة مؤلفاتهم ومذكراتهم وحياتهم وقضاياهم وأدوارهم في ثورة اليمن.
كانت هذه القراءة لهذا النوع من الكتب والإصدارات تتعدّى معرفة المعلومات وأحداث التاريخ إلى تكوين صورة واضحة ودقيقة عن تلك المرحلة، التي لا أصدّق وأنا أقرأ عن تفاصيلها، أنها لا تبعد عن زماننا بأكثر من خمسين عاما. وكان الاتصال الروحي يتمثل بالتفكير الطويل في تلك المرحلة، وكأنّني عشت هناك.
كانت اليمن آنذاك في القرون الوسطى تماماً، وعندما التقيت بمقدّم ومذيع برامج سورية، قال إنني قرأت عن تلك الفترة في اليمن، ولم أصدّق أنّ تلك الأحداث كانت تجري على هذه الهيئة في ذلك الوقت، ولو قيل لي إن اليمن كانت على هذه الشاكلة قبل خمسمئة عام، فإنّ الوضع لن يكن مقبولاً أيضاً.
عشت مع تلك المؤلفات تفاصيل حياة العهد الإمامي في اليمن، ولهذا أشعر برابط خفي مع كلّ أولئك الثوار والمفكرين والرجال ذي النزعة الوطنية رغم ولادتي بعد ثلاثة عقود تقريباً على قيام تلك الثورة.
لولا مشروع عبد العزيز المقالح لكان اليمن منقطعاً عن فترة روّاد الثورة الأوائل، على المستوى الروحي والوجداني والثقافي والنفسي
عشت مع حياة الزبيري والنعمان والعزي صالح السنيدار وأحمد الحورش والإرياني وأحمد المطاع والموشكي والضابط العراقي جمال جميل ومحمد المحلوي وآخرين كثر.
أدين كشاب يمني لعبد العزيز المقالح لأنه كان الرجل الأول الذي بذل جهده ليصدر تلك المؤلفات وليخرجها إلى النور، فالمقالح يعدّ بالنسبة لنا، لكثرة ما رأينا اسمه يتصدّر تلك الكتب، واحداً من رموز الحركة الوطنية، لأنه ساهم في تغذية جيل كامل في اليمن بتفاصيل ذلك العهد، وجعلهم أكثر ارتباطا على المستوى الروحي والفكري والشعوري بذلك الجيل، الجيل الذي نعتقد أنه كان أجمل ما في اليمن منذ قرون طويلة، لأنه استطاع بنزعته الفكرية والذاتية انتزاع اليمن من القرون الوسطى، وإن كانت اليمن قد تعثّرت بعد ذلك، ولم تكن على طريق القرن الحادي والعشرين كما أراد أولئك الثوار.
تبنّى المقالح مشروعاً فكرياً حين كان في مركز الدراسات والبحوث، وطبع الكثير من تلك الإصدارات، بل ساهم أساساً في إخراج تلك المذكرات التي كانت مهملة في المنازل، لتتم صياغتها وطباعتها وترويجها، لتكون ذاكرة حيّة عن اليمن في الفترة المظلمة ولتحفظ الكثير من القصص والتفاصيل التاريخية الأساسية والتفاصيل المهملة عن الثورة، ولو لم يكن المقالح هو الذي تبنى كلّ ذلك لكنّا منقطعين عن تلك الفترة على المستوى الروحي والوجداني والثقافي والنفسي.