المغرب... تصاعد الجدل حول تعديلات مدوّنة الأسرة

02 يناير 2025
+ الخط -

خلال الأيّام الأخيرة، شهدت الساحة العامة في المغرب تصاعداً ملحوظاً في النقاش حول التعديلات المقترحة على مدوّنة الأسرة. وقد أثار هذا الموضوع جدلاً واسعاً وتوتّراً بين مختلف الأطراف. لكن اللافت في هذا الجدل أنّه يكشف عن مشكلة أعمق في طريقة تعاملنا مع القضايا الحيوية، حيث يسود نهج السطحية وقلّة المعرفة، حيث يتم تداول المعلومات بشكل غير دقيق، مما يؤدي إلى تفسيرات خاطئة ومبالغات وتشويهات، غالبًا ما تتفاقم بسبب الشائعات والانتقال العشوائي للأخبار بين الأفراد.

وهذه الظاهرة تعكس أزمة في طريقة التعاطي مع الخطاب العام. فبدلاً من البحث عن مصادر موثوق بها أو الانخراط في نقاشٍ مستنير، يعتمد الكثيرون على ما يسمعونه من أفواه الآخرين، مما يؤدي إلى انتشار مغالطات كثيرة تثير الهلع والتشكيك دون داع. كما أوضح وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، في تصريحاته الأخيرة، أنّ التعديلات لا تزال قيد المناقشة، وأنّ معظم ما يُتداول ما هو إلا تفسيرات خاطئة. إنّ مدوّنة الأسرة تهدف بشكل رئيسي إلى حماية الأطفال وضمان كرامتهم، وهي قضية تستحق تعاملاً جاداً ومبنياً على الحقائق، لا على الاستنتاجات السطحية.  

أنا شخصياً، وجدت نفسي في البداية عرضة للوقوع في فخّ الأحكام الخاطئة بناءً على ما يتم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي وما يقوله الناس. لكنني قرّرت أن أتوقف وأبحث عن المعلومات من مصادر موثوق بها وأن أستمع إلى التوضيحات الرسمية بشأن هذا الموضوع. كانت هذه الخطوة فارقة، إذ ساعدتني على التمييز بين الحقائق والشائعات، وأدركت أهمية التفكير النقدي والبحث عن المعلومة الصحيحة قبل الانخراط في أيّ نقاش.  

إنّ مدوّنة الأسرة تهدف بشكل رئيسي إلى حماية الأطفال وضمان كرامتهم، وهي قضية تستحق تعاملاً جاداً ومبنياً على الحقائق، لا على الاستنتاجات السطحية

من بين المغالطات الشائعة أنّ حضانة الأم بعد زواجها تلزم الزوج الأوّل بالإنفاق على طليقته وزوجها. في الواقع، القانون المغربي يلزم الأب بالإنفاق على أبنائه فقط، وينهي التزامه بطليقته بعد انتهاء العدة. كما يمكن للأب طلب إسقاط الحضانة إذا لم تتحقّق مصلحة الطفل الفُضلى مع الأم. 

أيضاً، أثير جدل حول تقاسم الثروة بين الزوجين منذ مدوّنة الأسرة عام 2004. المراجعة الجديدة لا تلزم الرجل بتقاسم ممتلكاته قبل الزواج، بل تقدّر العمل المنزلي للزوجة إسهاماً في الثروة المكتسبة أثناء الزواج. تطبيق التعديل يعتمد على عوامل مثل مدّة الزواج وظروف الزوجين، ويعترف بأهمية العمل غير المدفوع دون فرض التزامات مالية مجحفة. 

كذلك مصير السكن بعد وفاة الزوج، إذ تقضي المقترحات بتمكين الزوجة والأبناء من الإقامة المؤقتة ببيت الزوجية دون تمليكهم إياه أو إخراجه من التركة. الهدف هو حماية الأسرة من التشرّد، مع مراعاة مصالح الورثة وفق شروط قانونية دقيقة. التعديلات الجديدة التي أُعلن عنها تُعتبر خطوطًا عريضة تمهّد لصياغة النصوص القانونية النهائية. هذا يعني أنّ التفاصيل ستخضع للنقاش والتدقيق قبل اعتمادها. وبينما ينشر البعض هذه المغالطات عبر نكات وقصص ساخرة، يستدعي الأمر نقاشاً جدياً لتصحيح المفاهيم وتوضيح الحقائق.

إنّ ما حدث يدفعنا للتأمل في أهمية التفكير النقدي والحوار القائم على المعرفة. فقط من خلال فهم واعٍ للقضايا يمكن لنا تحقيق تقدّم حقيقي وتجنّب الوقوع في فخاخ المعلومات المغلوطة.