المعتقلون في مصر.. بين انتظار الفرج وقرارات الباشا
في مشهدٍ جديدٍ يتكرّر في مصر، تمّ الإفراج عن عددٍ من المعتقلين بقراراتٍ صادرة عن النيابة العامة أو نيابة أمن الدولة.
وعلى الرغم من أنّ هذه الأخبار تحمل بعض الأمل لأُسر المعتقلين، لكن الحقيقة المؤلمة خلف تلك الإفراجات تكشف عن سيطرةٍ أمنيّة مُطلقةٍ تُعطِّل روح العدالة وتنزع عن القانون كلّ سلطاته.
فالمسألة ليست أبداً بيد القضاء وحده، بل تتوقّف عند "الباشا"، ضابط الأمن الوطني الذي يمتلك القرار الفعلي لإخلاء السبيل. وكما ذكر أحد المعتقلين في شهادته المؤلمة، "القاضي لا يملك من أمره شيئًا، القرار يأتي من الباشا".
هذا الوصف، يختصرُ الواقع القاسي الذي يُواجهه المعتقلون وأهاليهم؛ فلا محامٍ قادر على تحقيق العدالة ما لم تأت الموافقة من "سيادة الباشا".
ماذا عن دور المحامين؟
لا شك أنّ المحامين يبذلون جهودًا كبيرة للدفاع عن موكليهم، لكن حتى هذه الجهود تُقابَل بتقييمٍ أمني لا علاقة له بما ينصّ عليه القانون أو العدالة.
فمن يملك السلطة الحقيقية هو جهاز الأمن الوطني، الذي بات الحاكم الفعلي في هذا الملف الشائك. حتى إنّ بعض المحامين يُعرَف عنهم قدرتهم على الالتفاف على القانون لتأمين إخلاءاتِ السبيل، في حين يبقى الغالبية في انتظار ما يُقرّره "الباشا" ومكتب أمن الدولة.
ما يحدث اليوم في مصر هو انتهاك صارخ لكلّ معاني العدالة والإنسانية
إنّ الحقيقة المرّة هي أنّ المحامين، على اختلاف درجاتهم وتخصّصاتهم، سواء كانوا مُجتهدين أو معروفين بتجاوزاتهم، يقفون أمام باب مُغلقٍ لا يُفتَح إلا بموافقة "صاحب القرار". وفي كثير من الأحيان تُدفع آلاف الجنيهات لمحامين على أمل تحقيق العدالة، ليأتي الإفراج بعد سنواتٍ من الحبس الاحتياطي، في صفعةٍ جديدةٍ على وجه أهالي المعتقلين.
إلى أهالي المعتقلين: الدعاء قبل المال
بينما يستمرّ هذا النظام في تعطيل القانون، يجد أهالي المعتقلين أنفسهم أمام خيارٍ واحدٍ فقط: الدعاء. ففي دولةٍ غاب فيها القانون وحلّ مكانه "القرار الأمني"، لا يمكن أن يُعوَّل على نظامٍ قضائي يُفترض فيه تحقيق العدالة.
فكيف يُفسَّر الإفراج المفاجئ عن 151 من الطلاب وحديثي السن؟ وكيف يُفَسَّر قرار الإفراج بعد سنواتٍ من الحبس من دون سبب واضح؟
ربّما يكون الدعاء هو الملاذ الأخير أمام هذا الواقع المرير، ومع غياب العقل والمنطق يبقى الأمل في تغييرٍ يأتي بفضل الله وحده.
إلى متى يستمر الظلم؟
يعكس هذا الواقع حجم التناقض بين ما ينصّ عليه القانون، وما يجري على أرض الواقع. فالنظام المصري لم يكتفِ بقمع حريّة الرأي والتعبير، بل جعل من المعتقلين رهائن لتقديراتٍ أمنيّة بحتة.
كيف يمكن أن يستمر هذا الظلم؟ وما مستقبل العدالة في بلدٍ تحكمه القرارات الأمنيّة وليس أحكام القانون؟
إنّ ما يحدث اليوم في مصر هو انتهاك صارخ لكلّ معاني العدالة والإنسانية. وهذا الواقع يدفعنا جميعًا إلى التفكير في مستقبلِ بلدٍ أضحى فيه القانون أسيرًا لقرار ضابط، والمواطن أسيرًا في انتظارِ فرجٍ يأتي من عند الله وحده.