المجنون فريد ابن أبو خلّو (3)
رويت للأصدقاء، في سهرة الإمتاع والمؤانسة، كيف أن بطل سيرتنا، فريد ابن أبو خلو، أصبح سجيناً في دار والده الذي خصص له الغرفة المطلة على الزقاق، وأمر بأن يكون السجن جزئياً، يقتصر على الفترة التي يمضيها هو وولداه خليل وأحمد في الفلاحة، وبعد العودة من الفلاحة يُسمح لفريد بأن يعيش مع أسرته بشكل طبيعي.
وكان العم أبو خلو قد لجأ إلى هذا الإجراء معتقداً أن حجز فريد سيحول دون إيذائه والدتَه وأخواته، ومن جهة أخرى يجنبه المشاكل مع الناس في الحارة، وربما أبعد من أهل الحارة.
حنان: حكاية فريد مع "أبو حسني ضراب الطوب" كتير ضحكتني. فريد بيقله (بدي إضربك كفين يا أبو حسني بس هلق مو فاضي)، هداكا بيرد عليه (أشو عليه يا فريد؟ لما بتفضى ابعتلي خبر بجي لعندك بتضربني كفين).. أنا بشوف إنه أكتر من هيك تهكم ومسخرة ما في.
أبو المراديس: الست حنان بتعتقد إنه القصة انتهت بعد هالحوار الطريف. أنا خبرتكم إن أبو حسني شخصية فكاهية ظريفة، ولذلك مستحيل يخلي هيك قصة تمر مرور الكرام.
أبو محمد: أيوه. يعني هلق راح نسمع حكاية جديدة؟
أبو المراديس: طبعاً. يا سيدي، بنفس اليوم اللي حصلت فيه قصة (الكفين)، كانت الست أم خلو طابخة برغل بعدس، وحاطة مستلزماتها من لبن عيران وبصل أخضر.. وكان شمل الأسرة ملتم، والكل قاعدين ع العشا وعم ياكلوا بشراهة بعد نهار شغل وتعب، وفجأة سمعوا الباب عم يندق. نط فريد متل الزنبرك لما بيفلت، وقال: أنا بفتح.
قال أبو زاهر: يا أبو مرداس القصة تبعك كويسة كتير، بس لهلق ما عرفنا أيش اللي صار في المضافة؟
صاح فيه أبو خلو: فريد. أنت اقعود. هلق بتطلع من هون بتتعربش عالحيط وبتنط ع الزقاق وبتخلينا نركض وراك وندور عليك. أنا ما ناقصني مشاكل. خلي أخوك أحمد يفتح.
راح أحمد ليفتح، ورجع بعد شوي، وبَلَّغْ والده إنه الشباب سهرانين بمضافة "أحمد آغا الدمخ"، وعازمينه ع السهرة.
أبو خلو (وكأنه يكلم نفسه): الله يعطينا خير هالعزيمة. الشباب بيعرفوني بنام بكير منشان فيق ع الفلاحة.
أحمد: ياب عم يقولوا إنه أبو حسني ضراب الطوب عامل تلات صواني كنافة أم النارين، وحابب يعزم كل رفقاته، وإنته من الجملة.
أم خلو: أشو عليه يا رجال؟ روح، مو حلوة تخجل جماعتك. اسهار معهم، ولما بتنعس اعتذر وتعال ع النوم.
لم تكن لحية فريد في تلك الآونة قد اكتملت، لأنه ما يزال في سنة 14 سنة، ومع ذلك لف أصابع يده اليمنى حول ذقنه وقال لأبيه: إذا منشان أبو حسني ضراب الطوب اسماع من هالدقن لا تروح.
أبو خلو وأم خلو والأولاد والبنات الكل اندهشوا، وقال أبو خلو غاضباً: أشو قلت ولاك؟ إذا أنا بدي أروح إسهر مع رفقاتي بدي إستشيرك؟ قوم انقلع من هون. خليل. أحمد. شيلوا هالجحش من قدامي أحسن ما أبلش فيه.
وقف خليل وأحمد، وسحبا فريد باتجاه الغرفة التي كان مسجوناً فيها، وأدخلاه إليها بالقوة، وأقفلا الباب. وأما أبو خلو فقد أكمل عشاءه، وغسل يديه، وارتدى لباس الطلعة والسهرة، وغادر متجهاً إلى السهرة. رأى فريد أباه يغادر الدار من خلال نافذته المطلة على الشارع، فمشى باتجاه الباب، ونقر عليه عدة نقرات. أم خلو سمعت النقر على الباب، فقالت لخليل: هادا فريد عم ينقر ع الباب، روح بالله شوف أشو بده.
تقدم فريد من الباب، فتحه نصف فتحة، وقال لفريد: خير؟ ليش عم تدق الباب؟
فريد: خود أحمد والحقوا أبوكم ع مضافة أحمد آغا الدمخ. إنتوا اقعدوا لا تحكوا شي، إذا هادا أبو حسني اعتدى عليه خلي واحد منكم يمسكوا والتاني ينفضه قتلة ع الكيف.
خليل اندهش وقال لفريد: ولاك إنته أشو عم تحكي؟ مين قال لك أبو حسني راح يعتدي ع أبوك؟ القصة قصة عزيمة، كنافة وما كنافة.
فريد: خيو تصطفلوا. لا تروحوا. خلي أبو حسني يضرب أبوكم، وإنتوا اقعدوا في الدار وغنوا (حِنَّكْ نَصَف حِنَّكْ توم - وأنا وحدي اللي فَسيت)..
على إثر هذا الحوار ركض خليل وأحمد في أزقة الحارة وكأنهما فقدا عقليهما، وصارا يتبادلان عبارات تَحَدٍّ لأبو حسني ضراب الطواب، وأنه إذا سولت له نفسه أن يضع وردة على أبيهما فسيضربانه عوضاً عن ذلك بالسكاكين.. وحينما وصلا زقاق المضافة سمعا صوت الضحك الجماعي ينطلق منها، فهدأا، ووقفا يتبادلان النظرات التي تدل على أنهما تعرضا لخديعة من فريد، فالجو في المضافة منشرح على الآخر، ولو أن أبو حسني سيعتدي على أبو خليل لانقلب الجو إلى صراخ وشتائم.
قال أبو زاهر: يا أبو مرداس القصة تبعك كويسة كتير، بس لهلق ما عرفنا أيش اللي صار في المضافة؟
أبو المراديس: خلينا نرجع في الأحداث لورا شوي. أبو حسني، بعد الحوار الرهيب اللي صار بينه وبين فريد، راح مباشرة لعند أحمد آغا الدمخ، وحكى له اللي صار معه بالتفصيل. وأحمد آغا مولع بالقصص والمقالب أكتر من أبو حسني، منشان هيك وصى على تلات صواني كنافة أم النارين، ودعا الأصدقاء ع السهرة، بالإضافة لأبو خليل. ولما اجتمعوا الكل عنده، صار أي واحد يقول تعليق تنطلق وراه موجة من الضحك: أحمد آغا: لازم كلياتنا نوقف مع السيد فريد، ابن أخونا أبو خلو، في محنته. تصوروا، خد أبو حسني كان على بعد عشرة سنتي من كف فريد، وبده يليحه بالكف، وما وصل له.
أبو سمير: نعم سيدي، لأن أخونا أبو خلو حاطط شبك حديد على طول الشبَّاك وعرضه. الواحد ما بيستحكم بضرب الكف.
أبو النور: الكف لمن سطره.
بعد هذا الضحك كله، قال أبو خلو: الله يخليك يا أبو حسني لا تزعل من فريد. على فكرة فريد قلبه طيب.
أبو حسني: أنا كتير بحبه لفريد. وبعرف قلبه طيب، لكن مو هادا هوي السبب اللي بحبه منشانه، لأن تلات ارباع أهل هالبلد قلبهم طيب.
أبو النور: لكان ليش بتحبه؟
أبو حسني: بحبه لأن ما في غيره بكل هالبلد واحد محبوس وعم يعاني من الفراغ، بيقول لواحد تاني: بدي أعمل لك كفين، بس هلق مو فاضي!
(للسيرة تتمة)