الكوخ (قصة قصيرة)

11 أكتوبر 2020
+ الخط -

كانت لوحدها في ذلك الكوخ الخشبي وسط غابات مخيفة وتحت جو ماطر وعواصف رعدية. وسط غرفة المعيشة، كانت صورة مخيفة لوالدتها على الحائط، وهي ترتدي ذلك المعطف الذي كان يرعبها عندما كانت تراه في طفولتها.

أعدت كوب كابتشينو وانتقلت بخطوات هادئة نحو غرفتها٬ جلست على كرسي خشبي في الزاوية القريبة من النافذة. في الخارج، بدأ الثلج يتساقط كقطن أبيض ناصع، أصبحت الأشجار الخضراء ملتحمة مع الثلج، فنسيت الأخضر وتغطت بالبياض الى حين.

وضعت الكوب على المنضدة وقفزت نحو السرير، لكنها وجدت صعوبة بالغة في العودة الى النوم، كانت القهوة تؤثر عليها لكنها لم تستطع التوقف عن رشفها. فقط أرق، أرق، أرق..

بدأت تتجول في أركان البيت لعل النوم يأخذ مجرى لعينيها المرهقتين، كان المنزل واسعاً ومليئاً بأثاث كثير. نزلت السلالم باتجاه القبو، وأشعلت الأضواء الخافتة، واتجهت للداخل.

رغم الأضواء الباهتة الآتية من المصباح أعلى القبو، كان القبو مظلماً جداً. بشر زحف عليهم ألم الزمان قد مروا من هذا القبو، كانت تأتي مع والدتها الى هنا لتشاهدا التلفاز معاً، كانت تحب الغرف المتسخة والمظلمة وتبتعد دوماً عن الضوء، لذا كانت والدتها ترافقها أينما أرادت التسكع، فكانت تختار هذا المكان.

لم تجد يسرى أي كلمات للرد، فقدت القدرة على الكلام، إنه بالتأكيد خطأها، تشاجرت مع أمها داخل السيارة، و لم تر تلك الشجرة، و ارتطمت بها بسرعة، لم تخرجا من السيارة كما رأت على التلفاز قبل قليل

بصعوبة بالغة، استطاعت رؤية ذلك التلفاز القديم، اقتربت منه مندهشة، لم تنزل الى هنا منذ سنوات، جلست أمامه وحاولت أن تشغله، ضغطت على الزر الوحيد الموجود في الواجهة الأمامية للجهاز. لم تظهر على الشاشة سوى خطوط حمراء وبنية وبعض الألوان التي تظهر وتختفي بسرعة، جعلها ذلك تحس بأن الجو قارس لأول مرة هذه الليلة، لا تدري لماذا، الثلج يتساقط بغزارة خارج الكوخ مع صوت سقوطه الصاخب على نافذة القبو الهشة.

فجأة، ظهر شيء على الشاشة، سيارتها البيضاء لكنها مليئة بنقط حمراء تشبه الدماء، أحنت رأسها غير مصدقة لما تراه عينيها. "هذه سيارتي، هذه سيارتي قبل الحادثة" هكذا فكرت وهي ترجع رأسها للوراء بهدوء. على الشاشة الصغيرة، خرجت والدتها من سيارتها وهي تنزف من رأسها ثم سقطت على الأرض جثة هامدة، بعد لحظات قليلة، أخرجت نفسها من السيارة وهي تصرخ "أمي، أمي، أين أنت ؟"، لاحظت وجود أمها على الأرض، لم تستطع التحرك، فقط صرخت بأقصى صوتها وأُطفأ التلفاز.

استرخت فوق الكرسي حتى كادت تسقط على الأرض، وهي لا تصدق ما شاهدته للتو، شاهدت أسوأ كوابيسها، لكنه ليس كابوساً في الحقيقة، فالكوابيس توجد بأحلامنا عندما ننام، لكنها الآن ليست نائمة، لقد شاهدت تلك الحادثة الفظيعة، الحادثة التي تسببت بموت أمها، أمها العزيزة.

"يسرى! يسرى!" صوت شخص ما يصرخ من المنزل، صوت نسائي، صوت يشبه صوتها. لم تتمكن يسرى حتى من تحريك جسدها، بقيت جامدة هناك على الكرسي وهي تحدق بعينيها باتجاه الطابق العلوي، تحدق في مصدر الصوت، كانت تعرف ماهيته، تعرف ما هو، انه صوت والدتها، صوتها العذب والهادئ، لكنه بدا الآن مرعباً ومفزعاً. انهمرت دموعها رغماً عنها، فهي لا تبكي الا نادراً، لكنها الآن تسمع صوت أمها الذي لم تسمعه منذ الحادثة، منذ خمسة شهور.

أسرعت نحو السلالم ثم نحو الباب بسرعة، واتجهت نحو غرفة المعيشة، أخذت تبحث وتبحث، عن ماذا، "إنه مجرد صوت، لا وجود لأي جسد، لا وجود لجسد ماما الحبيبة" أفكار وأفكار داخلها رأسها المشوش بدأت تستعمر منطقها وتستعمر المكان الآن.

وجدت نفسها أمام صورة أمها العريضة الموجودة على الحائط، صورة تشبه لوحة الموناليزا غير أنها هنا فقط تبتسم دون أن تسخر منك.

رددت يسرى بشرود تام: أمي؟

لا جواب على الإطلاق، كانت صوت يسرى مميزاً و فيه شيء من البحة، لعل الزكام أصابها بعد كل شيء.

بدأت الصورة تتحرك ببطء، ثم تحركت عينا أمها و توقفتا باتجاه يسرى، ثم رمقتها بنظرة حادة و مليئة بالحنان بآن واحد: إنه ليس خطأك يا ابنتي، ليس خطأك.

لم تجد يسرى أي كلمات للرد، فقدت القدرة على الكلام، إنه بالتأكيد خطأها، تشاجرت مع أمها داخل السيارة، و لم تر تلك الشجرة، و ارتطمت بها بسرعة، لم تخرجا من السيارة كما رأت على التلفاز قبل قليل، بقيت هي وأمها داخل السيارة فاقدتي الوعي، هي استرجعته بعدئذ وأمها لم تفعل.

اشتغل التلفاز من جديد ثم توقف، يسرى بدورها توقفت أيضاً ثم فتحت عينيها محاولةً الاستيقاظ.

دلالات