القدس ... ثمرة إجهاض الربيع العربي

10 ديسمبر 2017
+ الخط -
(عن عالمنا الجديد)
عجزٌ رهيب. الانتفاضات العربيَّة أجهِضَت. وليس إعلان ترامب، اليوم، سوى ثمرة لهذا التعثُّر الدموي. وأعتقد بأن وصوله نفسه لسدّة الحكم له علاقة، بدرجة ما، بهذا الإجهاض. المتوسّط مليء بقوارب الهاربين. وأوروبا، معقل حقوق الإنسان والليبراليّة، خائفة من موجة اليمين العنصري الصاعدة. اللاجئون واندماجهم أو إعادتهم إلى أنقاضهم، صاروا المشكلة الأساسية، وأسباب لجوئهم هي "غامضة" وComplicated للغرب. سورية أطلال، وعديمو الضمير يقودون المنطقة. إيران تعربد احتلالًا وتفتيتًا. وأردوغان ينخر ببطء ثابت التجربة الديمقراطية التركيّة. والإسلاميون مشغولون بـ"عزة الإسلام" وإحصاء أنفاس النساء. عالم معدوم القيم. عالم "الاستقرار" و"الأمن القومي" و"محاربة الإرهاب" و"سلامة أنابيب النفط". عالم الدول القوية والمجتمعات الضعيفة. عالم بوتين وأردوغان وترامب ونتنياهو ومحمد بن سلمان والسيسي وحسن نصرالله وقاسم سليماني. عالم تقلّ فيه الديمقراطية، ويزداد الحديث فيه عن "الهوية" و"الثقافة". لو ساعد سيئ الذكر أوباما شعوب المنطقة في تحقيق التحوّل الديمقراطي لأنقذ أوروبا نفسها، ولما حصل ما حصل. لحظات عام 2011، لما هرب بن علي وتنحى مبارك، وانقشع الرعب عن سورية، تلك اللحظات الدامعة في القرن الواحد والعشرين قد ولّت. عالم بدل أن يتغيّر كي يزيل الاحتلال، صار يشبه الاحتلال. 

القدس، كما يتخيّلها ترامب، ليست عاصمة إسرائيل، القدس هي عاصمة عالم كهذا.


(عن الوجوه البائسة)
الفلسطينيّون المؤيّدون لنظام الأسد، ويسار البوط العسكري الممانع المعجب بولاية الفقيه، هم آخر ناس يحقّ لهم التباكي على القدس، ووضع وجوههم البائسة مع عبارة "القدس عاصمة فلسطين" على الفيسبوك. في عام 2011، خرجت الشعوب العربيّة مطالبةً بالحرية، ولو كانت هذه الشعوب ممثّلة في برلمانات منتخبة، ولها جيوش وطنيَّة، وأنظمة سياسيّة عادلة، لما تجرّأت إسرائيل على خطوة كهذه. وقفتم، وقتها، ضد هذه الحركات الاحتجاجيّة لأنها، بحسب رأيكم، "مدعومة من إسرائيل" (هههههههه)، إسرائيل تستغل الانهيار العربي الرّاهن. تحالف إماراتي - سعودي وضيع قريب من إسرائيل، ويسوّق لمبادرة سلام أميركيّة مذلة. مصر فقدت دورها الإقليمي، ومنهارة اقتصادية، وتحكمها قبضة أمنية حديدية، أسوأ من أيّام جمال عبد الناصر وحسني مبارك. العراق أنقاض ورازح تحت النفوذ الإيراني. وسورية غارقة في حرب أهلية يقودها حبيب قلبكم الدكتور بشار. الطيران العسكري الإسرائيلي يحسب حساب الطقس وكثافة الغيوم فقط، عندما يقوم بغاراته الجويّة فوق "قلب العروبة النابض"، و"الجيش العربي السوري المقاوم" مشغول بفك وتركيب الموبيليا والمفروشات في بيوت السوريين المنهوبة. تقفون مع نظام يحاصر مدناً سورية كاملة لإركاعها، كما تحاصر إسرائيل قطاع غزّة. أنتم تمامًا، مثل إسرائيل، وقفتم ضد الحركات التغييرية، التي كان من الممكن أن تخرج مبادرة الحرب العسكرية مع إسرائيل من يد المليشيات الطائفية كحزب الله، وتعيد للصراع بعده السياسي، تخوضه أنظمة ديمقراطية. أنتم متورطّون بجعل القدس عاصمة لإسرائيل. ووجوهكم التعيسة تشبه السفارة.
دارا عبدالله
دارا عبدالله
كاتب سوري يقيم في العاصمة الألمانيّة برلين، من مواليد مدينة القامشلي عام 1990. له كتابان: "الوحدة تدلل ضحاياها" (صادر عام 2013) و"إكثار القليل" (صادر عام 2015). يدرس في كليّة الفلسفة والدراسات الثقافيّة في جامعة "هومبولدت" في برلين. من أسرة "العربي الجديد" ومحرّر في قسم المدوّنات وموقع "ضفة ثالثة".

مدونات أخرى