الفخ الأوكراني لروسيا وتأثيره على سورية

06 يوليو 2022
+ الخط -

لا يخفى على أحد التدخل الروسي في سورية الذي رجح كفة النظام السوري على حساب معارضيه من الفصائل المسلحة بأطيافها كافة، بعد أن وصلت سيطرتها في ذروتها إلى نحو 65 بالمئة من الأراضي السورية، فكانت تلك الساحة فرصة ذهبية للروسي لإيصال رسالة للعالم أجمع بأنه يتمتع بعضلات غليظة، التي لم يبرزها إلا على المدنيين والعزل، في معركة غير متكافئة ولا يوجد فيها أي خطر على سلاحه الجوي، إذ لم تكن الطائرة بدون طيار "البيرقدار" ولا الدفاعات الجوية موجودة على جبهات المعارضة، على غرار ما يمتلكه الجيش والمقاومة الأوكرانيان.

لا يخفى على أحد أيضاً أنها كانت فرصة للروسي لتجريب سلاحه الحديث، حيث صرّح وزير الدفاع الروسي بأن الجيش الروسي جرب في سورية أكثر من 320 نوعاً من الأسلحة، بما فيها المروحيات التي شهدت أنظمتها تطوراً كبيراً نتيجة العمليات في سورية.

في عام 2015، وتحديداً في 30 سبتمبر/أيلول بدأ التدخل الروسي بشكل فعلي وعلني، وكان ذلك بالتزامن مع بدء حملة التحالف الدولي على تنظيم الدولة. صرحت روسيا حينها بأن تدخلها سيكون لمحاربة الإرهاب إلى جانب قوات التحالف الدولية، لكن الوقائع تقول إن السلاح الروسي لم يوجه نحو الإرهاب إطلاقاً، بل وُجِه إلى المدن والقرى السورية المناوئة لنظام الأسد، وكانت أولى هجمات سلاح الجو الروسي على إدلب وضواحيها.

كان للتدخل الروسي العديد من النقاط التي استفاد منها بوتين في سورية، ومنها الحصول على موطئ قدم في المياه الدافئة، التي لطالما حلم بالوصول إليها القياصرة الروس، فأقام قاعدة بحرية في طرطوس (من خلال عقد إيجار مجاني لمدة 49 سنة) وقاعدة جوية حديثة موسعة في حميميم قرب اللاذقية، فضلاً عن المواقع غير المعلنة رسمياً، التي صارت بمثابة مواقع روسية في سورية لا يسمح لغير الروسي الدخول إليها.

أكسب هذا التدخل الروسي الثقة بنفسه من باب تحدي الغرب في هذه العملية، التي أعطته جرعةً من الشجاعة ليجتاح الأراضي الأوكرانية، بلا رادع بحجة الردع وفرض سياسة الأمر الواقع على الغرب بشقيه الأوروبي والأميركي معاً. لكن هذا التدخل لم تحسب نتائجه السلبية إطلاقاً، كان يتوقع بوتين أنها ستكون عملية خاطفة يسيطر بها على أوكرانيا (تقريباً أكبر بلد من حيث المساحة في أوروبا) ويفرض فيها سياسة أمر واقع كما فعل خلال العملية العسكرية في سورية، لكنه لم يحسب نتائجها بشكل دقيق كما ينبغي، فكان للمقاومة الأوكرانية رأيٌ آخر، حيث أظهرت بسالة في القتال لم يتوقعها الروس إطلاقاً، وخصوصاً أن بوتين استخف بالجيش الأوكراني لدرجة أنه أرسل آلاف الجنود المفتقرين إلى الخبرة القتالية، والمبتدئين في تعلم تكتيكات الحرب، إلى جبهة كييف مع عدد هائل من المركبات والآليات العسكرية المنسقة من الخدمة تقريباً.

هنا أراد بوتين ضرب عصفورين بحجر واحد: الأول أن يلقي طعمه للأوكران والغرب من خلال إرسال آلياته القديمة وعدم إظهار قوته الحقيقية، وثانياً كان يريد أن ينتصر في معركة كييف ليُري العالم أنه سيطر على أوكرانيا بآليات قديمة وجيش من العساكر الأغرار. لكنه فشل في ذلك.

التراجع الذي أُجبر عليه بوتين من جبهة كييف، ليحشد قواه بمعركته في الشمال والجنوب الشرقيين، ترجمة لإخفاقه في المعركة. كان ذلك بالتزامن مع انسحاب العديد من قواته في سورية للحشد على جبهات أوكرانيا التي يعتبرها الأهم، فما نفع القواعد العسكرية والسيطرة على سورية والاقتراب من المياه الدافئة إذا صار الناتو على أبواب الكرملين؟ فربما كان يرغب في إنشاء حزام انفصالي على حدود أوكرانيا الشرقية ليحمي حدوده من جهة، ويبقي جبهات القتال مشتعلة بهدف الاستنزاف من جهة أخرى.

الساحة السورية حالياً تعيش حالة من التأرجح، وخصوصاً بعد الانسحاب الروسي الجزئي والمحاولات الروسية لإرضاء التركي كي تكسبه حليفاً لها في هذه المرحلة.

قد تقدم روسيا العديد من المغريات إلى تركيا في سورية كي تبقيها على خط الحياد على الأقل، وهذا ما يجعل من النظام السوري ضعيفاً أكثر من ذي قبل، وخصوصاً في ظل التحالفات العربية الجديدة والتقارب التركي الإماراتي السعودي المصري القطري الإسرائيلي، الذي يهدف الى الوقوف في وجه التمدد الإيراني في المنطقة، بعبارة أخرى يستهدف الحليف الثاني للأسد بعد أن خسر بعض تأثير الحليف الأول نتيجة الحرب الأوكرانية الروسية.

رغم أن التدخل الروسي في سورية جعل من مدنها حقل تجارب على شعب أعزل، وجرب أكثر من 320 نوع سلاح، ليستعرض قوته الزائفة أمام العالم، فضلاً عن المكاسب العسكرية والعقود المجانية على الأراضي السورية، إلا أن هذه الغنائم لم تكن كافية ليخوض بها حرباً شبه مفتوحة مع المعسكر الغربي ككل على الأراضي الأوكرانية، حيث دخلت روسيا بحرب لم تتقن حساب نتائجها إطلاقاً، بل توقعتها حرباً خاطفة لا يمكن الخسارة فيها على غرار سورية، ما دفع الأوكراني المدعوم غربياً إلى الرد القوي غير المتوقع، الشيء الذي جعل الروسي ينسحب من عدة ساحات قتال، ليكتفي بالجبهات الشرقية من الحدود الأوكرانية، راغباً من خلال تلك الجبهات في إنشاء حزام انفصالي، يستخدمه الروسي لحماية نفسه من جهة وإبقاء الجبهات مشتعلة لاستنزاف أوكرانيا من جهة أخرى.

52038830-270B-40D3-A2CE-EFA972497453
عبد الرحمن رياض

سوري مقيم في أنقرة. أعمل في مجال الترجمة وطالب في كلية العلوم السياسية في ماردين

مدونات أخرى