العنف ضد المرأة في الصومال... أشكال وألوان (19)
ترتكز حياة الشعب الصومالي تاريخيا على الزراعة والرعي، وهذه السمات ما زالت ملازمة لنا، ومنها تأتي معظم تقاليدنا وثقافتنا. وبعد نشوء المدن الحديثة وميلاد الدولة الصومالية تغيّرت كثير من الأمور في نواحي الحياة وأسلوب عيش الصوماليين، وهو أمر طبيعي تبعاً لتطوّر حياة المدن وما استصحب ذلك من تغيّرات.
إلا أنّ هناك أموراً لم تتغيّر كثيراً ولم تتطوّر ومنها العنف ضدّ المرأة الصومالية الذي يزال قائماً، وهو أمر لم يأخذ مساحة كافية للنقاش بعد، حيث تمثل المرأة الصومالية العمود الفقري للمجتمع الصومالي، ماضياً وحاضراً. وكأيّ مجتمع زراعي ورعوي، يتسم الإنسان الصومالي بالشدّة والتحمّل والشجاعة والإقدام والتضحية، وهذا أمر محمود ومفهوم نظراً لطبيعة الحياة التي تتطلب هذه الصفات والمواصفات، إلا أنّ هناك جانباً مظلماً يتطلب منا المعالجة والصراحة والكشف عنه.
في البادية، تتولى المرأة الصومالية الأعمال المنزلية وتربية الأطفال ورعي الغنم وجلب المياه، بعكس الرجل الذي يتولى رعي الإبل والتفاخر به باعتباره أغلى ثروة، ومن أجله يُقتل ويَقتل وتنشب المعارك وتندلع الحروب الدموية والشعرية أيضا، حتى أصبح الرجل يعير إذا ما شوهد وهو يرعى البقر والغنم، لأن هذا من شيمة النساء ولم يكن يسمح له بحضور مجالس الشعر والسمر.
هذه الثقافة تخفي وراءها احتقاراً للمرأة ووصمها بالأعمال "الهامشية"، وبما أنّ عملها هامشي، فهي هامش المجتمع وفقاً لهذه الذكورية المتخيّلة والمترسخة في واقعنا مع الأسف الشديد. هذا الاحتلال في فضاء الحياة مسلّح بثقافة ذكورية وأبوية توزع الأدوار وفقاً لهذه النظرة وتسحب البساط من تحت من تشاء ومتى تشاء، وهذه الثقافة استصحبت معها استسهالا للعنف الممارس ضد المرأة.
فمثلا، إذا اختلفت زوجة مع زوجها واحتدم النقاش بينهما وضرب الزوج زوجته لن تهتز الأرض ولن تخر الجبال ولن تنصب المشانق، لأنها بكل بساطة "زوجته" أو بمعنى آخر "ملكيته"، وسوف تحل المشكلة عن طريق الأهل ويؤخذ منه جمل أو ناقة على الأكثر كغرامة لفعلته. وفي الوقت نفسه، يتم الضغط على الزوجة لقبول ما يتفق عليه الرجال عن طريق الضغط عليها للاحتفاظ بأسرتها والتمسّك بزوجها بأي ظرف حتى لا ينفرط عقد الزواج والأسرة.
عانت المرأة الصومالية من العنف ومرارة النزوح واللجوء والقتل والاغتصاب والتشريد
وبينما تئن المرأة الصومالية تحت هذا الضغط، هناك عنف آخر ترضخ تحته وهو الحرب الأهلية، حيث عانت المرأة الصومالية من العنف ومرارة النزوح واللجوء والقتل والاغتصاب والتشريد.... وأصبح عليها تحمّل مسؤولية تربية الأطفال تحت هذا الظرف، حيث تسبّبت الحرب باليتم لكثير من الأطفال، وأصبح على عاتق الأمهات الصوماليات أن يعملن في الأسواق لتأمين لقمة عيش لأطفالهن وتعليمهم عسى أن يكونوا قادة للتغيير المنشود، الغائب المنتظر.
أثناء كتابة هذه السطور حاولت أن أطرح بعض الأسئلة على "فاطمة" (اسم مستعار)، وبعد تردّد وافقت أن تشارك معي قصتها مع اللجوء والعنف المنزلي الذي تعرّضت له.
فاطمة تعيش الآن في السويد مع أطفالها الثلاثة بعدما أجبرتها الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تعاني منها عائلتها على النزوح والهجرة، بعدما خطف الموت والدها، وهي في سن العشرين وكانت أكبر عضو في العائلة.
خاطرت "فاطمة" بحياتها، عابرة الصحراء وصولاً إلى ليبيا، ومنها إلى البحر، حيث أنقذها خفر السواحل الإيطالي بعدما تعطّل محرّك القارب الذي كان يحملها مع آخرين في عرض البحر.
استقر بها المقام في السويد ومنح لها حق اللجوء الإنساني، ثم تزوجت ورزقت بتوأمين، إلا أنّ قدراً آخر كان في انتظارها، إذ ساء التفاهم مع زوجها في أحد المساءات واحتدم النقاش بينهما، وفي ذروة الغضب ضربها بالعصى وأصاب وجهها ونقلت على أثرها إلى المستشفى.
بينما تروي لي فاطمة قصتها، كانت الدموع تنهمر من عينيها والألم يعتصرها. اعترفت لي أنها لم ترغب أن تصل الأمور إلى المحكمة ولم يكن ذلك قرارها، إذ كانت تفضل أن تحل المشكلة عن طريق الجالية الصومالية وبالعرف الصومالي، حتى لا يبقى أولادها بدون أب يربيهم ويحميهم في هذه البيئة الغربية، مدركة دور الأب في الأسرة في نهاية المطاف، كما قالت لي.
في الوطن، وفي الغربة يأخذ العنف ضد المرأة الصومالية أشكالأ وألوانا. وبما أننا مجتمع مسلم، فلن يكون هناك حلّ أمثل سوى بالرجوع إلى ديننا دين الإسلام الذي أمرنا باحترام المرأة، أما تقاليدنا الانتقائية غير المقدسة فحان الوقت لمراجعتها ونقدها وتفكيكها. أدرك جيدا أنّ هذا الطريق طويل وعر وشاق، ولكن الأمل لا ينضب، وإلى أن يتحقق ذلك ستظل ندوب المرأة الصومالية مفتوحة ولن تندمل.