العنصرية... في ثوب غربي!
من الواضح أننا نمر بفترات عصيبة على مستوى عالمي بشكل كامل، ولا يوجد دولة متنحية أو مترفعة عن خطورة ما يحدث في أوكرانيا.. فنحن جميعا بنفس كفة الميزان.
أوضحت أزمة الحرب في أوكرانيا كم العنصرية لدى الغرب المتحضرين، المترفعين قامة ومقاما عن العرب، ودائما ما يصفونهم بالعالم الثالث، وكأن هذا الثالث لا يحق له أن يعيش بسلام كما دول العالم المتقدمة تماما.
منذ نشوب الحرب بين روسيا وأوكرانيا امتلأت شاشات التلفزة الغربية بكلمات عنصرية من نواب وإعلاميي الغرب، وأصبح هناك تفاصيل جسدية تفرق بين اللاجئ الغربي والعربي والآسيوي، فعندما توجه المواطنون في أوكرانيا هاربين للحدود بحثا عن مكان آمن، وتوجه آخرون من جنسيات مختلفة والذين كانوا يمثلون الأغلبية من الطلاب، تم التنكيل بهم وزجهم على الطرقات في وسط مخاطر الحرب، وسمح بالمرور فقط لأوكراني الأصل ذي البشرة البيضاء والعيون الزرقاء، فإذا وُجد أوكراني لا يحمل تلك الصفات فلا يُعترف به أوروبيا متحضرا، ويتم الزج بهم خارج السرب المهاجر.
منذ أيام قليلة خرج لاعب الاسكواش المصري "علي فرج" ليلفت النظر وليظهر كم العنصرية في هذا العالم الغربي
عانى الآلاف من الطلاب العرب والهنود ودول شرق آسيا من هذه التفرقة التي كادت أن تودي بحياتهم وعرضتهم للخطر بشكل كبير دون أية رحمة أو تحضر من تلك الدول التي ملأت الفضاء الخارجي باحترامها للإنسانية وحرية الرأي وأنها غير عنصرية كما تفعل بعض الدول بالعالم الثالث على حد تعبيرها.
ما حدث وما زال يحدث سواء على أرض أوكرانيا من تفرقة عنصرية، رأيناه أيضا في فضاء السوشيال ميديا ومثلته شركة "ميتا" برئيسها مارك زوكربيرغ الذي سمح بإنتهاك الحريات وتوقيف المعايير التي كانت تعتبر مخالفة في رأيه ، فعندما بدأت أحداث القدس بحيي الشيخ جراح وسلوان في الأراضي المحتلة عام 1948، اتخذت إدارة "فيسبوك وإنستغرام" إجراءات تعسفية تجاه المتضامنين مع القضية الفلسطينية وأهالي الشيخ جراح وسلوان ومدن القدس الأخرى، وأصبح هناك معايير أخلاقية وحقوقية لا بموجبها يسمح بالتعدي على الآخر في أي منشور ينشر من أي مستخدم على السوشيال ميديا "فيسبوك، وإنستغرام"، وخصوصا أي قول يهاجم الاحتلال الإسرائيلي، تقوم إدارة "فيسبوك" بحذف المنشور وتعليق حسابه وتحذيره من الإغلاق الكامل في حال استمر في نشر محتوى مخالف للمعايير على فيسبوك وإنستغرام.
في المقابل نرى الازدواجية في المعايير والأخلاق التي مارستها إدارة شركة "ميتا" من الحرب (الروسية - الأوكرانية)، وسمحت بالتعدي على المعايير التي أوجعت رؤسنا بها عند الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وكذلك حقوق الشعب السوري والعراقي واليمني والليبي، وأتاحت الفرصة فقط للهجوم على روسيا وتجريمها بكل سهولة، ومن يتعدى على هذا المعيار يتم توقيف حسابه.
ذكرني هذا الموقف، عندما شاركنا بمنشورات عدة للكشف عن ممارسات الاحتلال وقمعه لأهالي مدينة القدس بالشيخ جراح تمت معاقبتنا بتوقيفنا عن نشر أي منشورات أو التعليق على أي منشور خلال 24 ساعة، وعندما عاودنا الكتابة بنفس السياق عوقبنا بوقف حساباتنا لمدة لثلاثة أيام، وتم لفت نظرنا إلى عدم الكتابة بمنشورات لا تتوافق مع المعايير الأخلاقية لما يسمى "فيسبوك"، ولكننا لم نتوقف عن الحديث فيما يخص انتهاكات الاحتلال المستمرة بالقدس، إلى أن جاء وتنفس الأسرى الستة الحرية من سجون الاحتلال وتوالت العقوبات تقع علينا كمستخدمين للسوشيال ميديا وتوقفت حساباتنا واحدا تلو الآخر.
فنحن أمام عنصرية الفضاء الإلكتروني الذي أصبحنا سجناء بداخله، كما وأصبحنا نستسلم لمعاييره الكاذبة ونتحاشى الحديث عن واقع الشعوب المحتلة وعنجهية المحتل، وذلك من أجل أن نبقى سابحين في فضاء السوشيال ميديا دون توقف.
وأخيرا، ومنذ أيام قليلة خرج لاعب الإسكواش المصري "علي فرج" ليلفت النظر وليظهر كم العنصرية في هذا العالم الغربي ليخرج بتصريح أثناء تتويجه بلقب "أوبتاسيا" للإسكواش في لندن قائلا: "فجأة أصبح من الممكن خلط الرياضة بالسياسة، ويمكننا أن نتكلم، لنتكلم إذن عن فلسطين التي تمر بما مرت به أوكرانيا منذ 74 عاما".