العم محمد يوسف فاكهة السينما المصرية (2)
بعد أن حققت شخصية (المعلم شَكَل) نجاحاً ساحقاً لم يرتبط فقط بشهر رمضان، كتب محمد يوسف شخصية (أبو لمعة الأصلي) وعرض على زميله في التدريس أمين الهنيدي أن يقوم بأدائها، وكان وقتها يعمل مدرساً في السودان، ثم جاء إلى القاهرة بصحبة زميلين له من هواة الفن، هما محمد أحمد المصري وسعيد حشمت، وبدأ الثلاثة في تقديم شخصية أبو لمعة بالتناوب، لكنها نجحت أكثر مع محمد أحمد المصري، فتم تثبيته في الدور.
بعدها شارك محمد يوسف في كتابة شخصية (الرغّاي) التي كانت من نقاط انطلاق الممثل العبقري عبد المنعم إبراهيم، وبعدها ابتكر محمد يوسف شخصية (الخواجة بيجو)، وكان يرغب في تجسيدها، لكن مدبولي اختار لها الممثل فؤاد راتب الذي أجاد في تقديمها وارتبطت به، وبدأ أبو لمعة في تقديم ثنائي ناجح مع الخواجة بيجو، وحين تم الاستغناء عن أمين الهنيدي في البرنامج بعد إسناد شخصية أبو لمعة حصرياً لمحمد المصري، بكى أمين الهنيدي وعاتب صديقه محمد يوسف لأنه لم يقف إلى جواره، فكتب له شخصية (فهلاو) الفلاح الفهلوي الذي يقع في مشاكل بسبب الفهلوة وادعاء المعرفة، وفي الوقت الذي تجاوز فيه أمين الهنيدي نجاح شخصية (فهلاو) بعد ذلك، إلا أن محمد أحمد المصري وفؤاد راتب ومحمد يوسف ظلوا أسرى لنجاح شخصياتهم بعد أن حصرها فيهم المخرجون لفترات طويلة.
وصلت سيطرة شخصية (المعلم شَكَل) على محمد يوسف إلى درجة أن الصحف والمجلات لم تكن تنشر اسم محمد يوسف إلا مسبوقاً بلقب (فتوة ساعة لقلبك) أو (المعلم شَكَل)، ليس فقط في الأخبار الفنية، بل وحتى فيما يخص حياته الشخصية، ولنأخذ مثالاً على ذلك بما نشرته مجلة (الكواكب) في عددها الصادر بتاريخ 9 سبتمبر 1958 حيث نشرت مقالاً بعنوان (ضربتني بالشومة لأنني رفضت الزواج منها ـ للفنان محمد يوسف فتوة ساعة لقلبك)، وهو مقال سيتيح لنا نصه أن نتعرف على بعض ملامح حياة محمد يوسف العاطفية:
"منذ أسبوعين عُقِد قران محمد يوسف، فتوة ساعة لقلبك، وقد جلس على كرسي الاعتراف أمام زوجته يعترف لها بماضيه في دنيا النساء، حتى يبدأ ليلة زفافه طاهر القلب، قال لها: عرفت في حياتي اثنتين من بنات حواء، هذه حكاية الأولى: كنت تلميذا في السنة الثالثة الثانوية نظام قديم، عندما طرق باب الحب قلبي الصغير، كانت هي بنت الجيران، تطل شرفتها على شرفتنا ومنها بدأت الابتسامات والإشارات، ثم المقابلات في طريق الذهاب إلى المدرسة والعودة منها، وخطابات ساذجة تعبر عما يكنه قلبانا الصغيران من ميل واستلطاف، ثم عرفنا التزويغ من المدرسة وأخذنا سبيلنا إلى اللقاء بعيدا عن عيون الرقباء والمتطفلين، وبعد أن تنام العيون كنا نقف، هي في شرفتهم، وأنا في شرفتنا، ونتناجى في ود وحب، والليل ساحر من حولنا، ومع الأيام كبر حبها في قلبي، فأصبحت لا أرى أمامي غيرها، هي مرآتي التي أتطلع فيها إلى الحياة، وكانت هي قد آثرت حياة المنزل على حياة العلم والدراسة، وكان بيننا عهد قطعه كل منا للآخر هو أن أكون لها وتكون لي، وكنت قد بلغت من العمر ما يؤهلني للزواج منها دون معارضة أهلي أو أهلها، وبدأت أمهد الطريق أمام الوالدين، ووجدت قبولا طيبا أفعم قلبي بالسعادة.
مع الأسف لم يكن حظ محمد يوسف في السينما واعداً، مثل حظه في الإذاعة، حيث لم يقدم إلا أدواراً صغيرة في أفلام لم يشتهر من بينها إلا فيلم (حماتي ملاك) وفيلم (شارع الحب)
والتقينا ورسمنا الخطوط الطويلة العريضة لحياتنا الجديدة، ثم حدثت الكارثة التي هدت كياني وأسلمت قلبي لليأس زمنا طويلا. كنت عائدا ذات مساء، وقلبي يقفز فرحا، فقد كنا حددنا هذا المساء بالذات لقراءة الفاتحة، ولبس دبلة الخطوبة وتقديم الشبكة، لكني فوجئت بصراخ ينبعث من الطابق الذي أسكن فيه، وسألت أول عابر قابلني عن سبب البكاء والصراخ، فجاء رده قنبلة انفجرت أمامي فأصابت شظاياها قلبي وأعصابي وخارت قواي، ولم أشعر بنفسي إلا وأنا على سرير في مستشفى ومن حولي عيون محمرة تبكي في ألم وصبر، لقد ماتت محبوبتي، صدمها ترام مجنون، عندما كانت عائدة من عند الخياطة تحمل فستان الخطبة. إنه القدر".
وهذه هي الحكاية الثانية: "كنت قد عُيّنت مدرسا بإحدى مدارس الفيوم، وكنت قد اشتهرت عن طريق الإذاعة كفتوة ساعة لقلبك، وتشاء الظروف أن أسكن في منزل صاحبته أرملة من الوزن الثقيل ذات قوة خارقة وشهرة في دنيا الفتونة، وفي طريقي إلى المدرسة وفي عودتي إلى المنزل، أحاول جاهدا أن أتحاشى لقاءها، فقد كنت أشعر أنها تلاحقني باستمرار، كنت أعود فأجد مسكني رُتّب ونُظّم، أكلي جاهز أربعة وعشرين قيراط، الشاي المعتبر، الغسيل مكوي ومطبّق. كانت تحاول استمالتي إليها بشتى أنواع الإغراء، كانت تعتقد في قرارة نفسها أنني فتوة بحق وحقيق وأن الطيور لا بد أن تقع على أشكالها. وذات مساء، دخلت المنزل كعادتي متلصصا، خوفا من أن تراني، وما كدت أفتح باب شقتي وأدخلها حتى فوجئت بها جالسة في وضع مغرٍ، وقد لطخت وجهها بالمساحيق التي لا تلائم شكلها أو عمرها، وبالاختصار عرضت عليّ الزواج منها نظير تنازلها لي عن المنزل بما فيه، وحاولت إقناعي بأنها تحبني منذ اليوم الأول الذي سكنت فيه عندها، وأنها لا تستطيع العيش بدوني، وحاولت بشتى الطرق أن أقنعها أنني لا أفكر في الزواج، ولكنها هددتني بالضرب إن لم أمتثل لإرادتها وطلبت منها مهلة للتفكير في الأمر، وبعد يومين كنت أنقل حاجياتي بعد منتصف الليل، بعد أن انتهزت فرصة غيابها عن المنزل، واعتقدت بذلك أنني قد هربت منها إلى الأبد.
وذات يوم، وكنت قد انتهيت من عملي في المدرسة، إذ بي أفاجأ بها أمامي، والغضب يتقد من عينها، ودون أن تنطق حرفا واحدا، رفعت شومة ضخمة كانت تخفيها خلف ظهرها، ونزلت بها على رأسي وهي تقول: "انت تهرب مني يا ابن ..."، ولم أسمع الباقي فقد غبت عن الوعي، ولما أفقت كنت أرقد على سرير بالمستشفى الأميري، ورأسي تلفها الضمادات، وعلمت بعد ذلك أنها بعد أن ضربتني، صعبت عليها فنقلتني بنفسها إلى المستشفى وظلت إلى جواري حتى اطمأنت على سلامتي، ومنذ ذلك التاريخ لم أرها.
يا زوجتي الحبيبة: هذه كل مغامراتي في دنيا النساء وأرجو أن يكون اعترافي شفيعاً لي في حياتنا الزوجية المقبلة".
مع الأسف لم يكن حظ محمد يوسف في السينما واعداً، مثل حظه في الإذاعة، حيث لم يقدم إلا أدواراً صغيرة في أفلام لم يشتهر من بينها إلا فيلم (حماتي ملاك) وفيلم (شارع الحب) الذي دعمه فيه بقوة عبد الحليم حافظ، الذي أعجب بمحمد يوسف منذ أن استمع إليه في الإذاعة، وجاء خصيصاً لزيارته والتعرف عليه، واستغرب حين وجد أن حجمه ضئيل، فقد كان يتوقع أن يكون صاحب ذلك الصوت شخصاً قوي البنية عريض المنكبين، وكان عبد الحليم يحب تقليد صوت المعلم شَكل، فينصحه محمد يوسف بعدم فعل ذلك لكيلا يؤثر على أحباله الصوتية.
...
نكمل غداً بإذن الله.