السنوار: نحن هنا باقون

23 أكتوبر 2024
+ الخط -

سيكتبُ التاريخ أنّ يحيى السنوار كان من بين المهندسين لأهم حدث فلسطيني عربي عالمي أعاد وضع القضية الفلسطينية على رأس جدول الأعمال الدولي، وأثبت أنّ أيّ ترتيبات لمنطقة الشرق الأوسط لا تأخذ في الاعتبار حقوق الشعب الفلسطيني ليست إلا وهمًا وسرابًا سيتكسّر باستمرار عبر الأجيال. عندما نُشرَت السيرة الذاتية لنتنياهو ظهرت إلى العلن رؤيته لإدارة الصراع مع الشعب الفلسطيني، وكانت فكرته كما يلي:

أولاً: الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس

ثانيا: تغذية الانقسام الفلسطيني

ثالثاً: سياسة الجدار الحديدي حول غزّة

رابعاً: التطبيع مع العرب بمعزل عن حل المسألة الفلسطينية

بدا أوّل الأمر أنّ هذه الرؤية في طريقها إلى النجاح والتحقّق، إذ لم يَعُد العالم، آنئذ، يولي اهتمامًا للقضية الفلسطينية، وأراد نتنياهو التخلّص من هذا الحمل الثقيل. ماذا حدث بعد ذلك؟ بضربة واحدة، تمكّن "طوفان السنوار" من إسقاط "عقيدة نتنياهو" رغم كلّ الدمار ومحاولة البحث عن صورة انتصار. وقد حققت عملية طوفان الأقصى" الأهداف التالية:

1. إحداث خرق في سياسة الجدار الحديدي.

2. إسقاط خطة فصل نضالات الشعب الفلسطيني 

3. انهيار نظرية التطبيع دون حلّ القضية الفلسطينية

4. إعادة القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام العالمي...

أثبت السنوار أنّ أيّ ترتيبات لمنطقة الشرق الأوسط لا تأخذ في الاعتبار حقوق الشعب الفلسطيني ليست إلا وهمًا وسرابًا 

وهكذا حقّق "طوفان السنوار" أهدافه دفعة واحدة قبل رحيله. ولا يمكن أن يصدر ذلك إلا عن عقل تفرّغ تمامًا لدراسة عدوّه. يجب ألا ننسى أنّ  السنوار عاش أكثر من عقدين داخل السجون الإسرائيلية. اكتسب لغة عدوّه، تابع وسائل إعلامه، حادث أفراده. لم يعُد العدوّ، بالنسبة إليه، مجرّد دورية تدخل شوارع قطاع غزّة، بل إنه مؤسّسات وإعلام وأجهزة أمنية واستخبارية وقضاء موجّه وتحالفات دولية... إلخ. أدرك مخاوف عدوّه وهواجسه المبثوثة في صحفه ومجلاته وقنواته وكتبه. ثلاث وعشرون سنة من الأسر، من الصراع اليومي، كانت كافية لكي يبني السنوار صورة شاملة عن عدوّه، وأن يعرف مكامن ضعفه وثغراته ليبدع الطوفان، ويعيد قضية شعبه إلى واجهة الأحداث ثمّ يرحل بعد ذلك في مشهد شديد الرمزية، رغم كلّ محاولات التشويه الإسرائيلية، جالسًا وقد شدّ معصم يده اليمنى للحدِّ من نزيف المعركة وإصبع سبابته يسيل دمًا، وقدمه شبه مبتورة وإصابات في كلّ أنحاء جسمه غير الظاهر بسبب اللثام، ويد يسرى منهكة من شدّة المقاومة والإصابة، وعندما اقتربتْ مسيّرة عدوّه قذفها بعصاه، وبكلِّ ما تبقى لديه من قوّة وبأس. هذه رباطة جأش رجل لسان حالِه يقول: نحن هنا باقون والأرض لنا.. سقطتْ ذراعك، فالتقطها واضرب عدُوّك .. لا مفرّ.. وسقطتُ قُربك، فالتقطني واضرب عدوّك بي...

حسن زهير
حسن زهير
كاتب وباحث من المغرب؛ أستاذ مادة الفلسفة، حاصل على دبلوم الدراسات العليا المعمقة في شعبة الفلسفة، تخصص "فضاءات الفكر في الحضارة العربية الإسلامية" من جامعة محمد الخامس بالرباط. كاتب مقالات حول علاقة الفكر بالسياسة، والثقافة بالمجتمع. يعرّف عن نفسه بالقول "قوى التطور دائما غالبة مادام في الإنسان حب الحياة!".