الرجل الذي رأى حافظ الأسد في منامه (2-3)

26 يونيو 2019
+ الخط -
لاحظ الحاضرون في سهرة "الإمتاع والمؤانسة" التي عقدت في منزل العم أبو محمد بإسطنبول أن صديقنا أبو الجود الذي روى لنا حكاية "مَنَام حافظ"، يأكل بشراهة، مع أنه قدم لنا نصيحة ثمينة مفادها أن الإنسان العاقل يجب أن يتناول عشاء خفيفاً، وأن تكون الكمية قليلة، ولا يجوز أن يحشّ ويبلع بطريقة (يا هَالِكْ يا مَالِكْ يا قَبَّاضْ الأرواح)، لئلا يكون حالُه كحال السجين "أبو راس الدمخ" الذي أثقل على نفسه بالطعام الدسم، فانسطل، ونام، ورأى حافظ الأسد في منامه!

قال أبو زاهر: صاحبك "أبو راس الدمخ" حظُّه كويس. لأنه بالغْ راشدْ وعنده أولادْ. لأنه اللي بيشوف حافظ الأسد بمنامه إذا كان زغير بالعمر ممكن يخاف ويولول ويبول في سرواله، وإذا كان كبير ممكن ينقطعْ نَسْلُه.

قال أبو جهاد: كأنك عم تغني في الطاحون يا أستاذ أبو زاهر. هلق أبو الجود غرقان لشوشتُه بالأكل.. ومو حابب يسمع ملاحظاتك ولا ملاحظات غيرك.
وهذا ما كان بالفعل، إذ إن أبو الجود لم يعاود رواية الحكاية إلا بعد انتهائه من الطعام، ووضع كأس شاي من النوع الخمير أمامه.


قال أبو الجود: يا خيو نحن هيك. منعرف إنه هالعمل سيئ، وغَلَطْ، ومع هيك منرتكبُه، وبعدين منندَمْ. صديقي "أبو راس الدمخ"، مثلاً، لما حَسّْ إنُّه الطعام تقل على معدتُه، والبخار طلع لراسُه، والتَنَفُّسْ تَبَعُه صار "شَخْتَرَة" فَكَّرْ إنه هالشي غلط، وقال لنفسه يا ريتني اشتريت نص كيلو حُمُّصْ وجبتها ع البيت، وحطيت جنب الحمص كم قطعة بندورة وفليفلة خضرا، وزوجتي المحترمة ممكن تدعمني بقطعتين جبنة مع كاس شاي يعني عشا لذيذ وخفيف.. مو أحسن من أكل القَشّة والمَقَادِمْ المقلية بالسمن العربي مع القلوبات؟ واستمر يقول لحاله: نعم، الحُمُّصْ أحسن، الحُمُّصْ أطيب، الحُمُّصْ، حُمُّصْ.. لحتى نام.

وشاف حالُه في المنام قاعدْ في محل "أبو برهان" بسوق المَطَاعِم في إدلب، وعم يقول للعامل:
- إذا بتريد يا عين عمك، هات لي صحن حُمُّصْ بطحينة وجبلي معه فحل بصل وشوية مخلل.
جابوا له الطلب، ولسه يا دوب أكل لقمتين أو تلات لقماتْ، التفتْ هيك، لقى حافظ الأسد داخلْ عَ المطعم!

قال أبو جهاد: أبو الجود بلش الكدبْ. أشو جاب حافظ ع إدلب؟ لو قلت إنه القصة صارت في الشام كنا صدقناك.

قال أبو زاهر: الحقيقة أنه حافظ الأسد أجا عَ إدلب مرة في حياته، بعدما عمل انقلاب الحركة التصحيحية، ووقف يخطب في ساحة هنانو، فوق المركز الثقافي القديم، وفجأة واحد من الموجودين بين الجماهير شَلَحْ فردة "الشاروخ" تَبَعُه، وضربه لحافظ الأسد، وما حدا بوقتها عرف مين هو الرجل، وعلى الأغلب أنه غادر المكان بعدما قام بهالعمل النبيل.. ومن يومها غضب حافييظ على محافظة إدلب حتى آخر أيامه.. وللعلم إنه ابنه بشار اللي ورث الحكم ورث معه كراهية محافظة إدلب.

قال أبو محمد: أبو زاهر أخد القصة باتجاه السياسة. أنا بصراحة حبيت فكرة إنه يجي حافظ ع إدلب ويدخل على مطعم أبو برهان تبع الحمص والفول والفلافل. تفضل أبو الجود. كمل لنا القصة.

قال أبو الجود: "أبو راس الدمخ" رحب بحافظ، وقال له: على راسي يا أبو سليمان. علي الطلاق إنته اليوم في ضيافتي. أشو بتحب إطلب لك؟ فقال حافظ: بدي فول بطحينة مع فحل بصل. طلب له. وأكلوا سوا. وفي النهاية فتح "أبو راس الدمخ" جزدانُه ودفع عن حاله وعن حافظ الأسد. وراحوا كل واحد في حال سبيلُه.

ضحك أبو إبراهيم ضحكة قوية، وقال: إنته قلت يا أبو الجود إنه "أبو راس الدمخ" كان سجين سياسي. معقولة يكونوا سجنوه بسبب المنام؟!!

قال أبو الجود: لأ هوي شاف المنام لحالُه وما حدا عرف فيه. لاكن "أبو راس الدمخ" حاشاكم عَلَّاك وأكَّالْ هَوَا. طلع تاني يوم من البيت وراح ع السوق وصار يقول للناس: أشو بدي إحكي لكم يا شباب؟ البارحة تغدينا أنا وأبو سليمان حمص وفول في مطعم أبو برهان. وأنا دفعت عني وعنه. وبالعلامة أبو سليمان طلب فحل بصل يابس وقَرَطُه جنب الفول.

قال أبو إبراهيم: هادا بالفعل علاك.

قال أبو الجود: ومن وقتها بلشتْ معه (الوَشّة).. حتى إنه صديقه "صلاح" أحب إنه يمزح معه، فقال له: أنا ما بصدقك يا أبو راس الدمخ.. أنت كداب. فقال له: تعال معي. وسحبه من يده وراحوا ع مطعم أبو برهان، وصار يحلف له أيمان معظمة على أنه كان قاعد هون، على هاي الطاولة، وإنه حافيييظ دخل من هادا الباب، وأنا وقفت وسلمت عليه وخليتوا يقعد على هادا الكرسي..

(يتبع..)
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...