الثنائي المرح في المبقرة
ما هي حكاية الفتى الأحمق سلمون مع تاجر الأبقار "أبو عمشو"؟ وهل صحيح أن سلمون اشتغل عنده في المبقرة؟
خلال سهرات الإمتاع والمؤانسة السابقة جرى التنويه إلى هذه الحكاية، وأُجلت إلى وقت آخر بسبب تزاحم الحكايات الأخرى عن الفتى سلمون. أكد كمال أن ما نعرفه من حكايات الفتى سلمون ذي الشخصية الغريبة يمكن تحويله إلى رواية للفتيان، أو للكبار، وذلك جرياً على مبدأ الأديب الفرنسي مارسيل إيمي الذي كتب في مقدمة قصته "حكاية القط الجائم" أنها موجهة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سبع سنوات وسبع وسبعين سنة!
قلت: بالمناسبة، هذه القصة ترجمها عن الفرنسية الأستاذ حسيب كيالي، وترجم للكاتب نفسه مسرحية عنوانها "رؤوس الآخرين".
أبو محمد: أنعم وأكرم من الأستاذ حسيب ابن بلدنا الله يرحمه. بس نحن متلما بتعرف، عم ننتظر الحكاية.
كمال: سلمون كان عامل مع الولد أحمدوني ثنائي، هادا الثنائي كانت إله مواقف ومشاجرات وفصول كانوا يساووها التنين مع بعض، وفي آخر كل مشكلة كانوا يلتقوا في المخفر أو في المستوصف.. طبعاً المستوصف بيلزم في الحالات التي بتحصل فيها جروح أو رضوض أو كسور. وهادا أحمدوني لسه أكذب من سلمون، وألعن، حتى إنه أبو سلمون وأبو أحمدوني صاروا صحاب، من كتر ما جمعتهم المصايب والبلاوي الزرقا. المهم راحوا التنين (الثنائي المرح) عند أبو عمشو وطلبوا منه يشغلهم عنده في المبقرة. ولما سألهم أبو عمشو (إنتوا أيش معلوماتكم عن تربية البقر؟) ضحك أحمدوني وقال له: (تربية البقر)؟ لا تخاف ع البقر معلم، البقر مربى ومحترم، مو بحاجة لتربية. ما في غير البني آدم بده تربية.
سلمون: يا سلام. هلق وصلنا أنا وإنته لتفاهم. خيو، أنا بشتغل عندك في المبقرة من يوم السبت ليوم الخميس، الخميس المسا إنته بتحسب شقد بتطلع إجرتي، وبتروح لعند مصطفى وبتناوله إياها
وقبل أن يجيب أبو عمشو انبرى سلمون يقول: رفيقي أحمدوني عم يحكي صح يا معلم. والبني آدم لما إنته بدك تربيه مو شرط يتربى، ليكنا أنا والعينتين أحمدوني، الله وكيلك لا أهلنا أثروا علينا من جهة التربية ولا المدرسة.. المجلس التأديبي اللي إجا من الشام، بقي هون تلات إيام منشان يربيني أنا لحالي، وما مشي الحال. بتعرف أيش صار معهم بعدين؟
أبو عمشو (مذهولاً): أيش صار معهم؟
سلمون: قبلما يجوا من الشام كانت عقولهم هيك قدها (وأشار بيديه إلى حجم كبير)، ولما اجتمعوا ليدرسوا إضبارتي صار عقل الواحد منهم أزغر من عقل العجل الزغير اللي ما في عمره شهرين اللي بيرضع من أمه هون في المبقرة. احزر يا عمي أبو عمشو أشو قرروا منشاني؟
أبو عمشو: أشو؟
سلمون: قرروا يبعتوني أنا وأبوي على شي فتاح فال (مشعوذ) ويكتب لي حجاب (تعويذة) منشان الحسد، قالوا لأنه هالولد، يعني أنا، ذكاه مو طبيعي، ويمكن شي يوم الذكا يقتله.. وإذا الذكا قتله مدير المدرسة والمعلمين والآذن راح يفرحوا، وأبوه لسلمون راح ينحرق دمه عليه. في واحد من أعضاء اللجنة كان مفكر إنه راس البني آدم متل خزان المي، لما بيتعبى بيطوف، وبيكب المي عَ الأرض، والمَيّ لما بتكون ماشية وعم تشرشر بتخرب أكياس المؤونة، ومرطبانات المخلل والزيتون، منشان هيك كتب عضو اللجنة في دفتره إنه المطلوب من والد الولد الذكي سلمون إنه يركّب لراس ابنه "فَوَّاشة" حتى ما يطوف الذكا تبعه ويشر ع الأرض!
أحمدوني: أنا يا معلم سمعت بقصة الحجاب "التعويذة" اللي طلبتها لجنة الـتأديب اللي أجت من الشام من صديقي سلمون، وهادا صاحبي سلمون عقله خفيف حاشاك، راح لعند أبوه وطلب منه ياخده لعند شيخ مشعوذ ويكتب له حجاب.. إنته بتصدق هالحكي يا عمي أبو عمشو؟ الله وكيلك كله زعبرة وحكي فاضي. بعدين سلمون أجا مرة لعندي، وقال لي تعال يا أحمدوني خلينا نسرق قرصين شعيبيات من عند الحاج ناعس، أنا ما قبلت، قلت له الحاج ناعس شعيبياته مغشوشة، روح حتى نسرق من عند الناجي عاشور.. قال لي: لا تخاف يا أحمدوني أنا معلق برقبتي حجاب وما حدا ممكن يئذيني، لأن الحجاب بيحميني. قلت له: وأيش مكتوب بالحجاب؟ قال لي: ما بعرف. قلت له: تعال نفتحه. قال لي: لأ، أوعى تفتحه، لإنه الشيخ المشعوذ حذرنا من فتح الحجاب، وقال له إنه الإيد اللي بتنمد عليه بتنشل، وفم الإنسان اللي بيقرا التعويذة بينجقم، قلت له: أنا بدي إفتحه وخليني إنشل وإنجقم. وفتحته يا معلم. قريناه أنا وسلمون وصرنا نضحك، وضلينا نقراه ونعيده لحتى حفظناه ع الغايب. احزر أيش كاتب المشعوذ فيه؟
أبو عمشو (متشوقاً ومسحوراً): أيش كاتب فيه؟
أحمدوني: كاتب فيه (يا سلمون، يا ملعون، يا اللي بتمشي ع الجَملون، شكلك بيشبه الحردون، إنته عَ صرمايتي ما بتمون، عندك من الذكا قيراط، لازم تشيله احتياط، ولا تنسى يضحك سنك، أبوك أجحش منك).
أبو عمشو (جاداً): وما انشلت إيدك ولا انجقمت؟
أحمدوني: كبر عقلك خاي أبو عمشو. إنته بتصدق هادا الحكي الفاضي. المهم هلق افتح لنا الباب خلينا ندخل ع المبقرة ونبلش شغل. سلمون لازم يشتغل ويحصل مصاري، لأنه وعد أبوه بده يزوجه.
أبو عمشو (مندهشاً): آ؟ ولك شلون هيك؟ أنا بعرف الأب بيزوج إبنه، شلون هادا سلمون بده يزوج والده؟
سلمون: طول بالك معلم. إنته بتعرف مصطفى الحمودة، أخوها للست أم حمودة؟
أبو عمشو: بعرفه.
سلمون: يا سلام. هلق وصلنا أنا وإنته لتفاهم. خيو، أنا بشتغل عندك في المبقرة من يوم السبت ليوم الخميس، الخميس المسا إنته بتحسب شقد بتطلع إجرتي، وبتروح لعند مصطفى وبتناوله إياها. وبعدما يمضي شي عشرين تلاتين خميس، منروح أنا وأحمدوني بمعيتك لعنده ومنطلب إيد شقيقته لوالدي. والأحسن بهاي الزيارة إنه ما ناخد أبي معنا، لأن العريس متلما بتعرف بيخجل. ولما العم مصطفى حمودة بيوافق يزوج أخته لأبوي منروح أنا وأحمدوني لعند الطبال حباشو ومنقول له يجيب معه الزمار أبو خليل ويسبقوني ع البيدر، ومنبقى يا معلم مندبك ومنغني ومناكل شعيبيات مغشوشة للصبح. بقى أيش رأيك؟
(للحكاية فصل آخر)