البحث عن وظيفة في زمن المستحيلات
ليكن الله في عون شبابنا، فقد تنامت لديهم مشاعر الاستياء والامتعاض والإحباط وهم يبحثون عن وظيفة في زمنٍ تقلصت فيه فرص العمل وارتفعت نسبة العاطلين، وتراكم الشعور عن عدم الرضى عن واقع مرّ أو بالأحرى مرير، وعن مستقبل لا يدعو إلى التفاؤل أبدًا. حتى أحلام الشباب أصابتها خيبة أمل من العثور على وظيفة في وطنٍ يتأوّه من جرحه، ما يجعل من مواطنيه ضحايا أعطاب اجتماعية وسياسات فاشلة، بما يجعلك في نهاية المطاف ضعيفًا أمام ظروف الحياة وعبئها وثقلها.
حين عزمتُ على الخروج للبحث عن وظيفة في زمن المستحيلات، كان حالي مثل حال شخص قرَّ عزمه على خوض معركة مجهولة النتائج، وهو يتجه إلى الشركات راغبًا في تقديم طلبات العمل والمشاركة في المقابلات بكلّ ثقة وعزم، ولسان حاله يقول: "لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا".
بحذاء اعتراه الغبار من كثرة المشي والطواف، أسود اللون مثل حظي، استهلكته حتى كاد يلفظ أنفاسه، اتجهت نحو مكان المقابلة، مرتديًا بزّة رسمية باهظة الثمن، كنت قد اشتريتها لأظهر في مظهر أنيق. يقولون إنّ ربطة العنق وحدها من تحدّد ما سينتهي إليه أمر المقابلات، مصيرك في ربطة عنق وتسريحة شعر!
الخذلان أو الشعور بالخيبة، يتحوّلان أحيانا إلى جرح عميق لا يندمل ولا يُنسى، والخذلان "أشدّ من الفقد" كما يُقال
أن تكون عاطلًا عن العمل يعني أن تكون في حاجة يومية ماسّة إلى نسيان مؤقت لواقع وجودي رهيب ومخيف، منتظرًا أن يصلك إشعارعلى بريدك الإلكتروني يزف لك خبرًا سارًا يأتي على غير انتظار أو موعد. ثم فجأة ودون سابق إنذار، يأتيك خبرًا مفاده "أنت مدعو لإجراء مقابلة عمل".
دخلت قاعة مضاءة وشاسعة الأطراف، وقفت أمام لجنة مختصّة في اختيار الموظفين ذوي المؤهلات والخبرة. كانت لجنة عابسة مكفهرّة، كالجو حين غائمًا. أخذت تستجوبني بأسئلة روتينية، تتعلق بالطموحات المهنية وكيفية تكاملك مع الفريق، وأسئلة أخرى متعلّقة بمهاراتي وخبراتي... كانت ابتسامتي الصفراء الزّائفة لا تفارق شفتّي، علّها تنير وجهي أمام الوجوه العابسة. دقّقوا في سيرتي الذاتية، عيون اللجنة فاقدة، ثاقبة، بصيرة، دقيقة بالأشياء. أدركت حينها أنّني أمام "سكانير" حديث الصنع، يراقبونني من أخمص القدم إلى قمّة الرأس، أخذوا منّي ما سلمتهم إياه من وثائق بلهجة تنم عن خيبة أمل وإخفاق، وبعدها قالوا لي بكل بساطة: "سير حتى انعيطو عليك".
الخذلان أو الشعور بالخيبة أحيانًا يتحوّلان إلى جرح عميق لا يندمل ولا ينسى، والخذلان كما يقولون "أشد من الفقد". أصبحت مثل رجل مسن خذلته قدماه، فلم يقدر على المشي، ولهذا أقول لشبابنا ممن وضعوا أحلامهم في وطن يئن ويشكو أليم جرحه: "لا تيأسوا ولا تقنطوا".