الانتخابات التركية... كلمة أخيرة
يتطلع العالم بأسره بترقب شديد واهتمام بالغ إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستجرى في تركيا في الرابع عشر من شهر مايو/أيار الجاري، وتحظى هذه الانتخابات بتغطية إعلامية واسعة النطاق واهتمام جماهيري في مختلف دول العالم، خاصةً في البلاد العربية والإسلامية.
وهذا الاهتمام بالانتخابات التركية، ربّما لا تحظى به مثيلاتها في بقية الدول الإقليمية، ويعود هذا الاهتمام إلى تنامي الدور الإقليمي والدولي للجمهورية التركية، وانغماسها في مختلف الملفات محلّ الاهتمام الدولي والإقليمي.
ولم تأت هذه المكانة المميّزة للجمهورية التركية من فراغ، ولكنها ترجع إلى النقلة النوعية التي أحدثها حزب العدالة والتنمية منذ صعوده إلى سدّة الحكم قبل عشرين عاماً.
ويعدّ الرئيس رجب طيب أردوغان أيقونة هذا التغيير وقطب الرحى بالنسبة له، ويحظى أردوغان بتأييد قطاعات واسعة من المواطنين الأتراك، نظرًا للدور الكبير له ولحزبه في تغيير حياة الكثيرين.
حافظ حزب العدالة والتنمية على مدنية الدولة وفكّ احتكار الجيش للحياة السياسية، وأوقف تغوّله على مفاصل الحكم
فمنذ تأسيس الحزب، تحققت إنجازات بارزة في مختلف المجالات، حيث تمكّن الحزب من تصدّر المشهد السياسي في الساحة التركية عبر الانتخاب الحرّ المعزّز بإنجازات بارزة للمواطن والمراقب، ولم تنحصر هذه الإنجازات في الإصلاحات الداخلية والجوانب الاقتصادية، بل شهدت البلاد تحت حكم أردوغان وحزب العدالة والتنمية تحوّلًا ملموسًا في السياسة الخارجية، قاد إلى انفتاح على الصعيدين الإقليمي والدولي، وأخذت الدولة التركية تنطلق في سياستها الخارجية من مصالحها الوطنية، بعد أن كانت هذه السياسية تابعة للحلفاء الغربيين الكبار، منطلقةً من مصالحهم وإملاءاتهم، كما أجرى الحزب إصلاحات كبيرة في المجالات القضائية والتشريعية والإدارية، وتبنّى برنامج عمل واضح المعالم عُرف باسم رؤية تركيا عام 2023، والتي تضمنت أهداف وبرامج زمنية واضحة المعالم تضمن تحقيق الرؤية وتنفيذها، ومضى الحزب في رؤيته منفذًا ما وعد به شعبه رغم التحديات والعقبات الداخلية والخارجية.
لقد تمكن حزب العدالة والتنمية، عبر السنوات العشرين الماضية، من استيعاب كفاءات وطنية في مختلف التخصّصات والمجالات في عضويته، الأمر الذي انعكس إيجابيًا على فعالية الحزب وأدائه الميداني، ومضى الحزب بقيادة بلاده نحو موقعٍ متقدّم في الساحتين الإقليمية والدولية، محققًا النمو الاقتصادي واستقلال القرار السياسي ومعزّزًا الحقوق والحريات العامة ومحسّنًا البنية التشريعية والقانونية، بما في ذلك عدد من التعديلات الدستورية وتحوّل البلاد إلى النظام الرئاسي بدل البرلماني، وعلى العموم، فإنّ ما حقّقه الحزب معروف وبارز للعيان.
وقد كان للتفويض الشعبي الذي ناله الحزب الدور الكبير في نجاحاته وإنجازاته عبر تجديد الثقة به في كلّ الانتخابات التي خاضها منذ تأسيسه.
ثمّة جهات لا تريد لتركيا أن تحقّق مزيداً من الاستقلال في القرار السياسي، داخليًا وخارجيًا
كما حافظ حزب العدالة والتنمية على مدنية الدولة وفكّ احتكار الجيش للحياة السياسية، وأوقف تغوّله على مفاصل الحكم، ووصل هذا الأمر إلى ذروته بالتصدي للمحاولة الانقلابية الفاشلة في صيف عام 2016، وسعي الحزب إلى وضع البلاد في مصاف الدول ذات الدخل المرتفع، وأقام مشاريع للطاقة المتجدّدة، وبنى مفاعلاً نووياً كبيراً، وشقّ آلاف الكيلومترات من الطرق والأنفاق الجديدة، وأنشأ العديد من المطارات في مختلف الولايات، وبدأ بتصنيع سيارة تركية محلية، وسعى لاكتشاف مصادر النفط والغاز وانتزاع حصة تركيا منها في أكثر من مكان، إلى جانب الوصول بالصناعات الدفاعية، برًا وبحرًا وجوًا، إلى حدّ الاكتفاء وإنشاء وكالة الفضاء التركية، واستكمال صناعة الطائرة المسيّرة والطائرة الحربية، وحاملة الطائرات والدبابات محليًا، واستكمال مشروع الغواصة التركية، وبناء العديد من المستشفيات العملاقة، وإنشاء مكتبة تضمّ ملايين الكتب في المجمع الرئاسي بأنقرة، وأعاد الحزب النظر في البنية التشريعية الاقتصادية، وقلّل من اعتماد تركيا على الاستيراد من الخارج، إلى جانب رفع مستوى نوعية وجودة قطاع التعليم.
وبالنظر لكلّ الإنجازات التي تحققت للجمهورية التركية على يد حزب العدالة والتنمية الحاكم والرئيس رجب طيب أردوغان، فإن الواجب على كلّ الخيّرين والمخلصين من أبناء الشعب التركي الحفاظ على هذه الإنجازات والمكتسبات المتراكمة عبر عقدين من الزمان، وأهم وسيلة للحفاظ عليها هي التصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لصالح الرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية وتحالف الشعب، وعدم الانجرار وراء الأصوات التي تشكّك بالحزب وأهدافه ومنجزاته، لأنّ الخبرة والتجربة العملية هي التي تفنّد مزاعم تلك الأصوات وتكذبها، وتثبت أنّ حملات التحريض الداخلية والخارجية على الرئيس والحزب تقف خلفها جهات لا تريد لتركيا أن تحقّق مزيداً من الاستقلال في القرار السياسي، داخليًا وخارجيًا، بما يعزّز دورها الإقليمي والدولي على حساب دول أصبحت مترهلة ومتكلّسة وعاجزة عن مواكبة التغيرات العالمية بإصرارها على النهج التسلّطي في الحكم بعيدًا عن أبسط معايير الديمقراطية والحكم الرشيد.
وبحساب الربح والخسائر بناءاً على الإنجازات، والمستند إلى وعي القطاع الأكبر من الأتراك والبعيد عن العصبية الحزبية والمصالح الذاتية الضيقة، فإنّ الشعب التركي سيكون حريصًا على كلّ المكتسبات التي تحقّقت في البلاد خلال الأعوام العشرين الماضية، ولن يقبل العودة إلى الوراء مجددًا، ولن يصطف خلف أصحاب الشعارات الجوفاء، الذين لا برنامج لديهم سوى هدم ما تمّ بناءه، بل سينحاز لمصلحته الوطنية ومنجزاته ودوره الحيوي في المحيطين الإقليمي والدولي واستكمال مسيرة التطوّر والنهوض وتعزيز الاستقلال.