الاختلاف... يفسد الود والقضية!
حينما نتأمل الأمم التي تستوعب العديد من الأفكار والديانات والتوجهات الفكرية، نجدها هي الأمم التي تنهض بالبشرية وتنفعها، وهي الأمم التي عمّرت الأرض؛ فالتعرّف إلى ثقافات مختلفة، أديان مختلفة، أشكال وتجارب مختلفة، هو ما يشكل الوعي الواسع لأيّ إنسان أو مجتمع.
التعدّدية السياسية أيضاً، يعوّل عليها بأن تُسهم في نهضة البلدان وتنميتها، لا استخدامها لمجرّد التنقيب عن أخطاء الآخر ومعارضته، وفي أوّل فرصة تتاح نسير على طريقته في كلّ الممارسات التي جرّمناه عليها، أو ربما أكثر!
في مجتمعاتنا العربية، لاحظت الكثير من البرامج الحوارية التي يفور ضيوفها غضباً، حدّ رفع الصوت والصراخ، بل والشتائم! وتنتهي الكثير منها بالإخلال بالمساحات التي يوجدون فيها، فينتهي ما يُطلق عليه نقاش، وقد فسد الحوار والودّ والقضية معاً! وبهذا نثبت أننا نتحد في شيء واحد، هو المشاحنات والتعصّب لوجهة نظرنا وتوجّهنا، على الرغم من أنّ الدين فَصَل في هذا الشأن بطريقة أسهل بكثير من كلّ ما يحدث {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..}.
إنهم يخرجون مضرَّجين بالحقد، محمَّلين بالغل، بل ويعدّون العدّة لإشعال حروب ضروس وتكفير الآخر وتخوينه وتضليله، كلّ هذا يفضح مدى الاختلاف في عمق القضايا، فلو أننا ننتمي إلى فكر أو دين لخدمة الإنسانية، لما عادينا الناس لاختلافهم عنا.
التعرّف على ثقافات مختلفة، أديان مختلفة، أشكال وتجارب مختلفة... هو ما يشكل الوعي الواسع لأيّ إنسان أو مجتمع
لقد نشأنا للأسف في طابع ممل من القولبة والإرغام على الانصياع ضمن قطيع واحد، ما قد يدفع البعض إلى الإضرار عمداً بالجماعة، ليفتك بها ويتمكن من الانسلاخ عنها؛ فقد كانت المجتمعات التقليدية تصرّ على أن تحشدنا ضمن قطيع يقوده راعٍ واحد، وكان شعار التربية الأول (كن مثل فلان ولا تكن مثل فلان..) ولو أننا درجنا على فكرة (كن أنت، كن مميزاً) لأضفينا روح المنافسة على النشء ليطوّر الفرد من نفسه، ومن الجماعة أيضاً، ليقدّم الأفضل، ويكون الأفضل، وكي يخدم فكرته ويبرزها. ولو أننا أفسحنا المجال للتعدّد السياسي من أجل أن نخدم الوطن لاستمررنا في خدمة الوطن، حتى بالتحالف مع معارضينا.
ختاماً، لو أنّ الله عزّ وجلّ كان يريد لنا أن نكون متشابهين، لخلقنا متشابهين، لكنه قال: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا}. قال: "لتعارفوا"، لم يقل: لتشابهوا!! ولم يقل: ليفرض بعضكم رأيه على بعض، ولم يقل: ليستعبد بعضكم الآخر، فهل حان الأوان لنغرس في الأجيال القادمة قيم التعرف إلى الآخر والتقبّل والتعايش؟