02 سبتمبر 2024
اقتلني واشرب قهوة في عزائي
ذهب أبو نادر مع أصدقائه الذين يسميهم "شلة فتح الله" في رحلة إلى قرية "أم زرزور" لحضور عرس ابن صديقهم أبي عباد، بعد انتهاء هذه الرحلة لم يصفها أبو نادر بأنها شاقة أو منحوسة أو مزعجة.. بل قال إنها "غبية".
التقى، بعد مضي أيام على الرحلة، بصديقه أبي عمار، وسأله عن المقصود بكلمة "غبية"، وهل يقصد أن أفراد الشلة الذين رافقوه أغبياء؟ فقال، بلهجته التهكمية الذكية:
التقى، بعد مضي أيام على الرحلة، بصديقه أبي عمار، وسأله عن المقصود بكلمة "غبية"، وهل يقصد أن أفراد الشلة الذين رافقوه أغبياء؟ فقال، بلهجته التهكمية الذكية:
- أبداً والله، كلهم أذكياء، وفهمانين، وإذا بتغط راس الواحد منهم في برميل مليان مازوت بيبقى مفتّح عينيه جوات البرميل، منشان هيك أنا دائماً بقول إنه صحابي (مفتحين في المازوت)! لكن الغباء اللي قصدته هوي غبائي أنا، إنته ما بتعرف إنه غبائي "أسانس"؟..
قال أبو عمار: شلون أسانس؟
قال أبو نادر: يعني إذا بتحط نقطتين من غبائي في خزان مليان عقول نيرة، بتصير كلها غبية، وطشمة كمان، لأنه أسانس الغباء تبعي مكثف.
بينما كنت أروي هذه الوقائع في جلسة الإمتاع والمؤانسة المنعقدة بواسطة الماسنجر استوقفني العم أبو محمد وقال لي:
- شايف أنك نطيت بالحكاية دفعة وحدة لبعد أيام من رجوع أبو نادر و"شلة فتح الله" ع البلد. السهرة الماضية أنت قلت إنهم كانوا رايحين على ضيعة "أم زرزور" بسيارة أجرة، منشان يحضروا عرس ابن صديقهم، وبعدما دخلوا في طريق ترابي، وصاروا في مكان مقطوع، تعطلت السيارة وصار بدها شَحط إلى مكان التصليح، وحتى يبرّي السائق ساحته نصحهم يتدبروا الموضوع بطريقتهم الخاصة.
قلت: نعم. حقك علي يا أبو محمد. راح أكفّي لكم القصة من هون. أبو نادر شكر سائق السيارة عدة مرات. قال له أنا بتشكرك مرة لأنك بتطلع وبتسافر بسيارتك وبتنقل فيها أرواح بشرية رغم معرفتك إنها تعبانة ومحتاجة لتنزيل محرك، يعني حتى لو هالسيارة التعبانة انقلبت فينا وتدحرجنا لتحت ع الوادي، ومتنا، وين المشكلة؟ أكيد بتكون أعمارنا خالصة، وطالما أعمارهنا خالصة فإنته غير مسؤول، وبإمكانك، بعدما ننقتل نحنا، تعمل جولة على مجالس العَزَا تبعنا، وتقعد، وتشرب قهوة مرة، وتقول: الله يرحمه. ولما بتوصل على مجلس العزاء تبعي بتقول لأولادي: الله يرحمه أبو نادر كان رجل طيب، وبيتوتي، ما بيحب يسافر برات البلد، ولما طلع مرة واحدة أجا أجله. هون الموجودين في المجلس بيقولوا: دايم الله، الله يرحمه.. وبينط واحد فهيم وبيقول: نصيبه يطلع ويموت. الموت ناداه وقال له: تعا لعندي أبو نادر تعا حبيبي اشتقت لك.
تاني شي أنا بدي إتشكرك لأنك عرضت علينا خيارين، قلت دبروا سيارة وروحوا من هون باتجاه الشرق على ضيعة أم زرزور، يا إما ارجعوا من هون، باتجاه الغرب، على إدلب، وترى الحق معك مية بالمية، لأنك بتعرف إنه الطريق إله إتجاهين بس، شرق وغرب، وما فينا نروح قبلة وشمال، ولا منحسن ننزل لتحت أو نطلع لفوق.. أنا كمان بدي إتشكر زملائي وأصحابي أفراد شلة فتح الله المحترمين اللي أنقذوا حياتي في اللحظة المناسبة.. شافوني تعبان في بيتي، وفاتح ورشة تكسير أحجار، والغبرة تبع الحجار لما بتتكسّر بتطلع دغري على وجهي وبتتعبى في رموشي، وما في عندي شي آكله، فأشفقوا علي، ودعوني لمشوار نزهة في قرية أم زرزور الرائعة، قالوا لي يا أبو نادر قوم اطلاع معنا، منها منتريّض هناك، ومناكل من لحم الخواريف اللي على شكل كراديش، ومنها منغب عيران.. حضرتك بتعرف العيران؟
قال السائق: طبعاً بعرفه.
قال أبو نادر: بس إنته ما بتعرف إنه في السابق كانوا يسموه شنينة. ولا بتعرف ليش سموه شنينة. بتعرف؟
قال السائق: لا والله.
قال أبو نادر: بيجيبوا لبن الغنم، وبيحطوه في سطل كبير، وبيشنوه، يعني بيخفقوه، وبيضيفوا عليه مَي، ليصير شنينة، وبعدها بيعبوه بالطاسات وبيقدموه للضيوف حتى يشربوا وينبسطوا.
هلق إنته بينك وبين حالك بتقول هادا عمي أبو نادر عم يخرّف بالحكي، وبتقول: أشو هالجدبة؟ هلق الشنينة صارت مصدر بَسْط وسرور؟ أنا بدي أقول لك: أي نعم، والدليل إنه في مطرب شعبي محبوب (ما بدي إذكر إسمه) بيغني:
تقول الحزينة ما أشرب شنينة- أموت بشرب الشاي.. ويلي يا ويلي.
شوف إنته كيف بيعبر هالمطرب عن رأيه بحرية ما إلها مثيل.. أول شي هوي بيحب الشاي، وبالأخص الشاي الديري الثقيل، لكن، ومن باب التواضع بينسب الأمر لـ الحزينة. إنته بتعرف هاي الحزينة وين ساكنة بالضبط؟
رغم صعوبة الموقف، وبينما كان أعضاء شلة فتح الله عم يفكروا شلون بدهم يطلعوا من هالزنقة والقطيعة في مكان ما بتمر في آليات إلا بالصدفة، اضطروا يضحكوا بشكل خفي على الحوار الدائر بين أبو نادر والسائق المسكين اللي واقف جنب سيارته وعم ينتظر فرج الله.
قال السائق: لا والله ما بعرف وين بتعيش الحزينة.. ولا بعرف مين هاي الحزينة أصلاً.
قال أبو نادر: هادا لإني ثقافتك الفنية ضعيفة شوي. ترى هالشي مو عيب، لإن جنابك سائق سيارة وبدك تلحق رزقك، مانك مجبور تفكر مين هاي الفرحانة ومين هاي الحزينة. على كل حال، إذا عندك وقت خليني أحكي لك القصة من أولها.
ضحك السائق غصباً عنه وقال: عندي وقت كتير. شوفة عينك صار لنا نص ساعة واقفين وما مرت سيارة من الشرق ولا من الغرب. أيش في ورانا؟
في هذه الأثناء لاحت لهم سيارة قادمة من جهة الغرب. تقدم أفراد الشلة وأشاروا لسائقها أن يقف، ففعل. وكان في صحبته رجال يرتدون ثياباً أنيقة، أعلمهم الرجل أنه ذاهب مع الشباب لحضور عرس عباد.
قال أبو نادر: مو مشكلة عمي مو مشكلة، وصلهم وارجاع لهون، بتوصلنا على إدلب ومندفع لك الأجرة اللي بتريدها.
قال السائق: إن شاء الله. بس ما بعرف إذا بحسن إجي بسرعة، لأن هناك أكيد راح يمسكوني منشان إتغدى من أكل العرس.
وأقلع بسيارته وتابع طريقه.
(للقصة تتمة)..
قال أبو عمار: شلون أسانس؟
قال أبو نادر: يعني إذا بتحط نقطتين من غبائي في خزان مليان عقول نيرة، بتصير كلها غبية، وطشمة كمان، لأنه أسانس الغباء تبعي مكثف.
بينما كنت أروي هذه الوقائع في جلسة الإمتاع والمؤانسة المنعقدة بواسطة الماسنجر استوقفني العم أبو محمد وقال لي:
- شايف أنك نطيت بالحكاية دفعة وحدة لبعد أيام من رجوع أبو نادر و"شلة فتح الله" ع البلد. السهرة الماضية أنت قلت إنهم كانوا رايحين على ضيعة "أم زرزور" بسيارة أجرة، منشان يحضروا عرس ابن صديقهم، وبعدما دخلوا في طريق ترابي، وصاروا في مكان مقطوع، تعطلت السيارة وصار بدها شَحط إلى مكان التصليح، وحتى يبرّي السائق ساحته نصحهم يتدبروا الموضوع بطريقتهم الخاصة.
قلت: نعم. حقك علي يا أبو محمد. راح أكفّي لكم القصة من هون. أبو نادر شكر سائق السيارة عدة مرات. قال له أنا بتشكرك مرة لأنك بتطلع وبتسافر بسيارتك وبتنقل فيها أرواح بشرية رغم معرفتك إنها تعبانة ومحتاجة لتنزيل محرك، يعني حتى لو هالسيارة التعبانة انقلبت فينا وتدحرجنا لتحت ع الوادي، ومتنا، وين المشكلة؟ أكيد بتكون أعمارنا خالصة، وطالما أعمارهنا خالصة فإنته غير مسؤول، وبإمكانك، بعدما ننقتل نحنا، تعمل جولة على مجالس العَزَا تبعنا، وتقعد، وتشرب قهوة مرة، وتقول: الله يرحمه. ولما بتوصل على مجلس العزاء تبعي بتقول لأولادي: الله يرحمه أبو نادر كان رجل طيب، وبيتوتي، ما بيحب يسافر برات البلد، ولما طلع مرة واحدة أجا أجله. هون الموجودين في المجلس بيقولوا: دايم الله، الله يرحمه.. وبينط واحد فهيم وبيقول: نصيبه يطلع ويموت. الموت ناداه وقال له: تعا لعندي أبو نادر تعا حبيبي اشتقت لك.
تاني شي أنا بدي إتشكرك لأنك عرضت علينا خيارين، قلت دبروا سيارة وروحوا من هون باتجاه الشرق على ضيعة أم زرزور، يا إما ارجعوا من هون، باتجاه الغرب، على إدلب، وترى الحق معك مية بالمية، لأنك بتعرف إنه الطريق إله إتجاهين بس، شرق وغرب، وما فينا نروح قبلة وشمال، ولا منحسن ننزل لتحت أو نطلع لفوق.. أنا كمان بدي إتشكر زملائي وأصحابي أفراد شلة فتح الله المحترمين اللي أنقذوا حياتي في اللحظة المناسبة.. شافوني تعبان في بيتي، وفاتح ورشة تكسير أحجار، والغبرة تبع الحجار لما بتتكسّر بتطلع دغري على وجهي وبتتعبى في رموشي، وما في عندي شي آكله، فأشفقوا علي، ودعوني لمشوار نزهة في قرية أم زرزور الرائعة، قالوا لي يا أبو نادر قوم اطلاع معنا، منها منتريّض هناك، ومناكل من لحم الخواريف اللي على شكل كراديش، ومنها منغب عيران.. حضرتك بتعرف العيران؟
قال السائق: طبعاً بعرفه.
قال أبو نادر: بس إنته ما بتعرف إنه في السابق كانوا يسموه شنينة. ولا بتعرف ليش سموه شنينة. بتعرف؟
قال السائق: لا والله.
قال أبو نادر: بيجيبوا لبن الغنم، وبيحطوه في سطل كبير، وبيشنوه، يعني بيخفقوه، وبيضيفوا عليه مَي، ليصير شنينة، وبعدها بيعبوه بالطاسات وبيقدموه للضيوف حتى يشربوا وينبسطوا.
هلق إنته بينك وبين حالك بتقول هادا عمي أبو نادر عم يخرّف بالحكي، وبتقول: أشو هالجدبة؟ هلق الشنينة صارت مصدر بَسْط وسرور؟ أنا بدي أقول لك: أي نعم، والدليل إنه في مطرب شعبي محبوب (ما بدي إذكر إسمه) بيغني:
تقول الحزينة ما أشرب شنينة- أموت بشرب الشاي.. ويلي يا ويلي.
شوف إنته كيف بيعبر هالمطرب عن رأيه بحرية ما إلها مثيل.. أول شي هوي بيحب الشاي، وبالأخص الشاي الديري الثقيل، لكن، ومن باب التواضع بينسب الأمر لـ الحزينة. إنته بتعرف هاي الحزينة وين ساكنة بالضبط؟
رغم صعوبة الموقف، وبينما كان أعضاء شلة فتح الله عم يفكروا شلون بدهم يطلعوا من هالزنقة والقطيعة في مكان ما بتمر في آليات إلا بالصدفة، اضطروا يضحكوا بشكل خفي على الحوار الدائر بين أبو نادر والسائق المسكين اللي واقف جنب سيارته وعم ينتظر فرج الله.
قال السائق: لا والله ما بعرف وين بتعيش الحزينة.. ولا بعرف مين هاي الحزينة أصلاً.
قال أبو نادر: هادا لإني ثقافتك الفنية ضعيفة شوي. ترى هالشي مو عيب، لإن جنابك سائق سيارة وبدك تلحق رزقك، مانك مجبور تفكر مين هاي الفرحانة ومين هاي الحزينة. على كل حال، إذا عندك وقت خليني أحكي لك القصة من أولها.
ضحك السائق غصباً عنه وقال: عندي وقت كتير. شوفة عينك صار لنا نص ساعة واقفين وما مرت سيارة من الشرق ولا من الغرب. أيش في ورانا؟
في هذه الأثناء لاحت لهم سيارة قادمة من جهة الغرب. تقدم أفراد الشلة وأشاروا لسائقها أن يقف، ففعل. وكان في صحبته رجال يرتدون ثياباً أنيقة، أعلمهم الرجل أنه ذاهب مع الشباب لحضور عرس عباد.
قال أبو نادر: مو مشكلة عمي مو مشكلة، وصلهم وارجاع لهون، بتوصلنا على إدلب ومندفع لك الأجرة اللي بتريدها.
قال السائق: إن شاء الله. بس ما بعرف إذا بحسن إجي بسرعة، لأن هناك أكيد راح يمسكوني منشان إتغدى من أكل العرس.
وأقلع بسيارته وتابع طريقه.
(للقصة تتمة)..