اختبارات الذكاء في مُنتهى الغباء!
بينا أنا أبحث في إحدى المنح المطروحة للمتفوقين، وجدت شرطًا رئيسًا للقبول فيها: النجاح في اختبار الـ"IQ"؛ وهو اختبار، حسب زعم واضعيه، يقيس مستوى ذكاء الشخص المُمتحن أو بشكل أدق "المُبتلى"!
ولأننا في مصر، أم الدُنيا، لن تجد مساحة للإبداع والتخيّل في نوعية الأسئلة، اللهم إلا سؤال من ضمن أربعين سؤالا مُكرّرا، ستجوس الكُتب والمسائل باحثًا عمّا يتضمن مقياسًا لذكائك، ولن تجد.
سؤالي هو: مَن له الحق في قياس ذكائي وغيري من المُتقدمين؟ وعلى أي أساس وُضعت تلك المقاييس؟ أم أنّ السبب يعود إلى كثرة المُتقدمين لتلك المنح، فاشترط هؤلاء الغامضون وضع عقبات تتمثّل في صور ومسائل تعجيزية في مدة زمنية لا تزيد عن نصف ساعة، إن اجتزتها صرت ذكيًا وإن لم تفعل صرت في حكم الأغبياء!
ولكن قبل أن تُجيب لديَّ سؤال آخر: ما معنى الذكاء؟ وهل يوجد شيء اسمه غباء؟
كانت تلك الكارثة (تصنيف الناس وتقسيمهم إلى ذكي وغبي) مؤرقة لأوروبا منذ زمن، فأرُومتها ترجع إلى جذور عنصرية، فكلّ ما كان يتعلّق بالأبيض ذكي نقي، أما ما دون ذلك، فغبي زنيم. فاستحال الأمر بعد ذلك وتحوّر شكله ليلبس ثوب الأكاديمية العلمية في المنح الجامعية، فصار المواطن الأوروبي، أبيضًا كان أم أسودًا، أسير اختبار وضعة أناس عاديون، بل قُل وضعه معقدون نفسيًا.
لسنا أغبياء حينما نُغرد خارج السرب، ما دام ذلك السرب من العجول والخراف الضالة
إلى أن جاء عالم نفس وباحث يُدعى هوارد غاردنر، ووضع نظرية تربوية حول تلك المسألة، أسماها بالذكاءات، وهي النظرية المُعترف بها من قِبل أكبر الجامعات العالمية الآن، والتي تفضي بأنه لا وجود لشيء اسمه الغباء، وأنّ تلك الاختبارات محض افتراء وانتهاك لحرية وإنسانية الطالب، بل وليست سوى اعتداء صارخ على كرامته، ولا يوجد شيء اسمه الذكاء، بل ذكاءات، وتُقسّم إلى أكثر من نوع؛ ذكاء لغوي، واجتماعي، ورياضي، وبدني، وغيرها من الذكاءات القابلة للتطوير والتنمية، وكما قال الدكتور أحمد خالد توفيق، إن لم تمتلك إحداها فعليك الانتحار!
الشاهد هنا، أنّ مسألة الذكاء والغباء ليست سوى عبث في ذهن من يصوّبون الخطأ بالشتم والشجب، أولئك الذين يرون الحياة من زاوية أُحادية بألوان فاترة، إما بيضاء أو سوداء، فالألوان الرمادية والأرجوانية غير مُعترف بها عند هؤلاء الحمقى الذين لا يحبون الاختلاف، يروننا روبوتات، على هيئة واحدة، مثل عساكر الجيش، قصة شعر واحدة، زي مُوحد، صوت أوحد، قائد أكبر، ووسط كل هذا يغيب التنوّع والتميز، أو الإنسان.
لم أدخل امتحانًا من تلك الامتحانات إلا واجتزته بفضل الله، ولكن، راودني دائمًا سؤالٌ واحد: مَن الذي وضع تلك الامتحانات ووفق أي مشروعية وحق يقيس بهما ذكاءَ الآخرين؟ فهل صديقي الذي تعثّر ولم يجتز تلك الاختبارات صار (في حكمهم) غبيًا؟ أمر عجيب! لطالما كُنت أراه أفصح مني وأفطن، ولكن يبدو أنّ لهؤلاء رأيٌ آخر، فصرت أفضل منه على الورق!
في الأخير، أود أن أخبرك: أنت لست غبيًا، وجيلنا ليس مُتكاسلًا، نعاني ما لم يُعانِه قبلنا أحد، يكفينا حُكامنا ومؤسسات بلداننا الفاشلة الغبية، الغبي الحقيقي هو ذلك السياسي الغادر، والحاكم المُتسلط الذي يستهين بشعبه وذكائه.
لسنا أغبياء حينما نُغرد خارج السرب، ما دام ذلك السرب من العجول والخراف الضالة.
تحياتي ومودتي لك يا صديقي الإنسان..