اتحاد الكتاب والمؤسسة الاستهلاكية
هل هناك فرق بين الوقوف بالطابور على باب المؤسسة الاستهلاكية لشراء الأرز والسكر والشاي بسعر مخفض، والانتساب إلى اتحاد الكتاب العرب؟
هذا السؤال العجيب طرحه علينا صديقُنا كمال في مستهل سهرة الإمتاع والمؤانسة، ويبدو أنه كان واثقاً أنه لا يوجد بين الحاضرين مَنْ يعرف جوابه، لذلك لم ينتظر رداً، قال: في سورية لا يوجد فرق بين مؤسسة اتحاد الكتاب العرب، ومؤسسة الرز والسكر ومحارم الكلينكس. ومتلما بيقولوا في الأمتال: كله عند العرب صابون!
كنا قد فتحنا سيرة اتحاد الكتاب العرب في سهرات الإمتاع والمؤانسة الأخيرة بمناسبة الحديث عن الزميل المفصول من الاتحاد الدكتور رفعت الأسد، وبدأتْ القصص والحكايات الطريفة تأخذنا في اتجاهات مختلفة.
أم زاهر: كلام غريب يا أستاذ كمال. قصدك تقول إنه الكتاب عندهم قسائم شراء متل القسائم التموينية (البونات)؟
كمال: تقريباً. على كل حال أنا راح أشرح فكرتي. سورية، من أيام التمانينات، بتعاني من البطالة، والشاب اللي قاعد بلا شغل بتلاقيه عم يدور في الجرايد على إعلانات طلب موظفين، وكلما قرا إعلان بياخد عنوان الدائرة صاحبة الإعلان، وبيقدم الأوراق الثبوتية المطلوبة، وبينتظر حتى يعينوه، وبتبلش أمه وعماته وخالاته وجاراته يدعوا له، وبيتفاجأ، بالمحصلة إنه راسب. سبب هالرسوب المتكرر إنه اللجان اللي بتفحص المتقدمين للوظايف كانت تتعرض لطلبات ورجاءات وضغوط لتعيين أبناء المسؤولين وزوجاتهم، وأبناء الناس الأغنياء اللي قادرين يدفعوا رشاوي، وبالأخير صاحب العلاقة حامل الشهادة النشيط الكفء بيبقى بره، وبتتعبى الدوائر الحكومية والشركات الإنتاجية بالكسالى والتنابل أصحاب الواسطات.. نفس الشي كان يحصل مع المواطن لما بيوقف على باب المؤسسة الاستهلاكية منشان يشتري رز وسكر بالقسيمة التموينية (البون)، لأنه فجأةً بتجي دورية الأمن العسكري وبتخترق الطابور، وعناصرها بياخدوا طلباتهم وبيمشوا، وكل شوي بتجي دورية من شي فرع أمني، وبتاخد وبتمشي، وبيبقى المواطن الغلبان صاحب الحق واقف تحت عين الشمس عم ينشوى وبينقلى.. وهادا الشي بيصير في اتحاد الكتاب، وبطريقة مشابهة.
قال: في سورية لا يوجد فرق بين مؤسسة اتحاد الكتاب العرب، ومؤسسة الرز والسكر ومحارم الكلينكس. ومتلما بيقولوا في الأمتال: كله عند العرب صابون
أبو جهاد: الزحمة على الوظايف، وعلى باب المؤسسة الاستهلاكية فهمناها، بس الكتاب شلون بدهم يتزاحموا؟
أم زاهر: سؤال أبو جهاد في محله، أنا بعرف إنه الكتاب عددهم قليل، ومستحيل يتزاحموا.
كمال: راح أوضح لكم شلون. في سنة 1989، صدر تعديل لقانون اتحاد الكتاب العرب، وبموجب هالتعديل صار للكتّاب ميزات مادية ما كانت موجودة في القانون قبل التعديل. منها إنه صار من حق الكاتب ينحال على التقاعد بعد بقاؤه في الاتحاد مدة ما بتقل عن خمس سنوات، وبهالحالة بيقبض من الاتحاد راتب تقاعدي ما بيتعارض مع أي راتب بيقبضه من مكان تاني، يعني إذا أنا متقاعد من وظيفتي بمديرية التربية، باخد راتبي التقاعدي من التربية، وراتب تاني من الاتحاد.. وصار الكاتب ياخد نوع من التأمين الصحي، كمان ما بيتعارض مع التأمين الصحي اللي بياخده من دائرته الأصلية.. هون تحركت غرائز ناس ما إلهم علاقة بالكتابة أو بالتأليف أو بالإبداع وصاروا يفكروا في الموضوع جدياً، ويتساءلوا: إنه ليش نحن ما منصير كتاب ومنستفيد من هالمزايا؟ طبعاً هادا السؤال بيضحك.. يعني متل إذا الواحد أحب يصير طبيب وهوي مو دارس طب! ولما الواحد منهم صار يسأل عن أسهل طريقة للانتساب لاتحاد الكتاب، يجيه الجواب إن المسألة سهلة، بتألف كتابين شعر أو قصة أو مسرحية، يا إما بتعمل دراسة عن عدد الأبقار اللي لازم تتربى وتنعلف في الزريبة، وكيف بيقوم الطبيب البيطري المختص بخصي العجول، أو بتألف كتاب عن منافع الطبقة التالتة من البصلة في علاج الداء السكري الوبيل، أو بتكتب عن بطولات الجندي العربي السوري في حرب تشرين اللي حررت الإرادة القتالية للعسكري السوري، وحطمت أسطورة الجندي الصهيوني الذي لا يُقهر، وبتاخد هالكتابين ع وزارة الإعلام، وبتجيب موافقة على الطبع، وبتشوف شي ناشر ما في عنده زحمة، بيطبع لك الكتابين، وبتقدم طلب انتساب للاتحاد على أساس أنت كاتب وعندك مؤلفاتّ.. وبتدبر واسطة عند رئيس الاتحاد الأزلي، فإذا رئيس الاتحاد الأزلي تأكد إنك راح تعطيه صوتك في الانتخابات القادمة بيقبلك، وبتصير عضو اتحاد، سعرك بسعر أكبر كاتب في سورية الصمود والتصدي، وبتتمتع بكل المزايا اللي بيستحقها الكتاب الكبار، وصلى الله وبارك. ولأنك صاحب حظوة لدى قيادة الاتحاد بتاخد المزايا المستحقة للكتاب قبلما ياخدها الكتاب الكبار، لأن إنته بتشبه سيارة البيجو اللي بلورها فيميه، لما بتجي مسرعة من بعيد، وبتدخل في قلب طابور المواطنين الواقفين على باب المؤسسة الاستهلاكية، وراسوراتها عم تزقزق، وبتنزل منها متلما بينزلوا عناصر قوات المداهمة، وبتقول لعامل المؤسسة ارفاع إيديك لفوق ولاك كر.. ولما بيرفع إيديه بتئمره يعطيك مخصصاتك حسب القسائم التموينية من دون ما توقف ع الدور. فإذا طلب منك العامل تسمح له ينزل إيديه حتى يعبي لك رز وسكر في الأكياس بتقله: معليشي ولاك حيوان نزل مكسورتك!
أبو محمد: بتصدق بالله يا أستاذ كمال؟ لولا إنك بنظري صادق لظنيت إنك عم تكذب علينا!
أبو المراديس: أبداً يا عمي أبو محمد، كل شي حكاه الأستاذ كمال صحيح، ولسه في شغلة أحسن. يا سيدي هدول الكتاب اللي انتسبوا للاتحاد وهني أشباه أميين عاشوا بأمان واطمئنان، بينما تعرض كتاب كبار للأذى. رئيس الاتحاد الأزلي، مثلاً، فصل أدونيس من الاتحاد عقوبة لأنه قال رأيه بمسألة إلها علاقة بإسرائيل، وبعد مدة فصل الروائي هاني الراهب، لأنه قال رأيه، واحتجاجاً على فصل أدونيس قدم حنا مينة وسعد الله ونوس استقالتهم من الاتحاد. وبالنسبة للكتاب اللي دخلوا ع الاتحاد بطريقة سيارة الفرع ولا حدا منهم انخضّ بدنُه. بالعكس، كانوا يقولوا: والله رئيس الاتحاد الأزلي معه حق يفصلهم. يا أخي البلد عم تتعرض لمؤامرة صهيونية إمبريالية رجعية، والمرحلة حساسة وحرجة، ومو وقتها كل شوي يطلع واحد من الكتاب ويقول رأيه!.. لك عمي نحن رأينا من رأي قيادتنا والسلام!