اتحاد الكتاب في حيص بيص
قلتُ للأصدقاء الموجودين الذين كانوا معنا في تلك الجلسة إن قصة فلان، على علمي، ابتدأت من لحظة سفر والده، ذات مرة، بحافلة نقل الركاب "الكرنك"، وكان يجلس قربه في المقعد، بالمصادفة، واحد من الأعضاء البارزين في اتحاد الكتاب العرب، فاستغل "أبو فلان" الفرصة وطلب من الرجل تنسيب ابنه للاتحاد، عسى أن تلهيه هوايةُ قرض الشعر عن الجري وراء ضباط المخابرات الذين لا يأتي منهم- برأي أبي فلان- غير الأذى.
تدخل الأستاذ كمال وقال: "أبو مرداس"، هل تعطيني فرصة لأكمل عنك الحكاية؟
قلت: تفضل.
قال كمال: أنا أعرف عضو اتحاد الكتاب العرب الذي قصده أبو مرداس بكلامه، اسمه "كاف ميم". وقد كان رجلاً طيباً خدوماً، لذلك، وفي أول زيارة قام بها لمبنى اتحاد الكتاب العرب بدمشق طرح الموضوع، بكل أمانة، على القيادة العليا. وقد أوقعهم ذلك في إشكالات، أو كما يقال: في حيص بيص.
قال العم أبو محمد: وليش الإشكالات؟ الرجل اللي سميتوه (كاف ميم) يمكن اعتباره واسطة خير، وقيادة الاتحاد حرة في قرارها، فإما أن تقبل الشاب، أو ترفضه.
قلت: القصة، يا عمي أبو محمد، ليست بهذه البساطة، وعلى علمي قيادة الاتحاد عندما سمعت بأن الشخص المرشح للعضوية له علاقة بضباط المخابرات في محافظ إدلب أوْلَت الموضوع أهمية استثنائية.
كان في قيادة الاتحاد (المكتب التنفيذي)، يومذاك، عضوان أو ثلاثة لهم علاقة بضباط المخابرات في العاصمة دمشق، ولكن هذا لا يكفي بالطبع، وهناك مشكلة حقيقية لها علاقة بالمحافظات البعيدة، وأنت تعلم أن الكتاب والأدباء يرفعون مناخيرهم إلى الأعلى ولا يقبلون بالتعامل مع الأمن إلا في حالات قليلة ونادرة، ونحن، كما تعلم، كنا نعيش في دولة أمنية، فإذا عثروا على كاتب مخبر مثل الأخ "فلان" هل تتوقع أن يتخلوا عنه بسهولة؟
قال أبو الجود: أنا مقتنع بشروحاتك أخي "أبو مرداس"، ومع ذلك أرى أن العم "أبو محمد" على حق، يعني ليش الإحراج والحيص بيص؟ طالما أنه يلزم لهم خليهم يقبلوه وخَلَصْنا.
قال الأستاذ كمال: وهذا الأمر ليس بهذه البساطة أيضاً يا أبو الجود. الحقيقة أن نية قبول فلان عضواً في اتحاد الكتاب العرب كانت متوفرة عند رئيس الاتحاد وبعض الأعضاء، وكان الخوف من رفضه متوفراً عند البعض الآخر، لأن مَن يرفض قبوله يعني أنه يتحدى الجهات الأمنية.. ولكن المشكلة الحقيقية أن "فلاناً" الذي أصبح موضوعاً لتلك المناقشات، لم يكن قد أصدر أيَّ كتاب، في حين ينص قانون اتحاد الكتاب العرب على أن يكون لدى العضو المرشح للعضوية كتابان مطبوعان في الحد الأدنى.
قلت: نعم نعم. ومن هنا أتت الصعوبة، وهي أن الشاعر فلاناً لا يوجد لديه كتابان مطبوعان، ومسودات الأشعار الموجودة في حوزته قليلة من جهة، وتحتوي على مشاكل جوهرية من جهة أخرى. فالرجل يكتب الشعر العمودي، حصراً، ومع ذلك لا يعرف بحور الشعر ولا الإيقاعات.. وعن ثقافته الشعرية أفيدكم بأنه لم يقرأ من الشعر العربي سوى أشعار صابر فلحوط ونجيب جمال الدين، وبعض قصائد محمد مهدي الجواهري التي يؤله فيها حافظ الأسد، ويقال أيضاً إنه يبدي إعجاباً كبيراً بقصيدة مها قنوت التي قالتها في مديح حافظ، وصارت، على أثرها وزيرة ثقافة.
وللحديث صلة