إعلام الرأسمالية... بين جذب الجمهور وخداع العقول
تشهد وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في العصر الحديث تقدّماً متسارعاً وتحوّلًا كبيرًا نتيجة التأثير المتزايد للرأسمالية على قطاع الإعلام، حيث تتلاعب الشركات الإعلامية بالمفردات والصور بطرق محترفة، بهدف جذب الجمهور وتحقيق الأرباح العالية. ولكن ما هي حقيقة إعلام الرأسمالية؟ وكيف يؤثر على عقول المشاهدين والقرّاء؟
تعتبر الرأسمالية نظامًا اقتصاديًا يركز على تحقيق الأرباح وتسهيل التجارة. وتشكل الشركات الإعلامية جزءًا من هذا النظام، حيث تكون هناك أولوية لتحقيق الربح وزيادة قيمة الشركة. والنتيجة الواضحة لذلك هي استغلال الإعلام لجذب الجمهور والمشاهدين، سواء بواسطة وسائل التسويق المبتكرة أو تقديم المحتوى الذي يُعتبر مغريًا وموّجهاً للرغبات والاهتمامات الشخصية.
تسعى وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، تحت سيطرة الرأسمالية، لجذب الجمهور بأيّ طريقة ممكنة، حيث يجرى استخدام تقنيات التسويق وتحليل البيانات لفهم رغبات واحتياجات المشاهدين والقرّاء. ومن خلال توجيه المحتوى نحو هذه الرغبات، تُعزّز قيمة العلامة التجارية وزيادة الإيرادات. ولكن الجانب المظلم لهذا هو أنّ هذا الاستغلال يشمل تشويه الحقيقة ونشر المعلومات الزائفة لتحقيق أهداف قوى معينة، أو دفع أجندات سياسية أو اقتصادية مرتبطة ارتباطاً مباشراً مع السياسة الأميركية الكبرى، بهدف زرع التشتّت الفكري في المجتمعات بشكل مقصود.
وهنا تكمن خطورة إعلام الرأسمالية في قدرته على خداع العقول وتوجيهها بشكل غير صحيح. وتقويض الحرية الإعلامية وحرية التعبير عن الرأي، فعندما يوّجه أيّ شخص انتقاداً للحكومة أو التعبير عن آراء سياسية مغايرة أو غيرها من القضايا، يُواجه تهديدات بقصر أو حجب حسابه على هذه الوسائط الاجتماعية مقابل فتح باب الترويج للأفكار السطحية والمحتوى السهل الممتنع والترفيه الرخيص والبرامج التافهة... وهذه الإجراءات تُنمّي سياسة التجهيل والخوف من التعبير الحر بما يؤثر في التفكير النقدي والاستيعاب العميق للمحتوى. وهكذا بدلاً من التركيز على مواضيع هامة ومشكلات حقيقية في المجتمع، ينجذب الجمهور إلى المحتوى الخفيف والتشتّت الفكري. وبذلك، يسهم إعلام الرأسمالية في الانحدار الثقافي وفي ذهاب الجمهور نحو الجهل والترفيه السطحي، وهذا ما تسعى إليه السياسة الأميركية لتحقيق أجنداتها والتأثير على الرأي العام.
يجب أن يكون للإعلام دور في توعية الجمهور وتعزيز الوعي، بدلاً من الترويج فقط للمحتوى التجاري أو السطحي
وللتغلّب على هذه المشكلات المتراكمة، نحتاج إلى إعلام مستقل ومبتكر يعكس التنوّع الكبير في المجتمع ويعمل على توجيه الأنظار نحو القضايا الهامة والمعلومات الصحيحة. يجب أن يكون للإعلام دور في توعية الجمهور وتعزيز الوعي، بدلاً من الترويج فقط للمحتوى التجاري أو السطحي، وهنا يلعب الصحافيون والكتاب دورًا حاسمًا في توجيه الأنظار وكشف الحقائق، وعليهم أن يتحدوا سياسة الرأسمالية وأجنداتها لتحقيق إعلام أكثر احترافية.
ختاماً، لا يسعنا إلا أن نقول إنّ إعلام الرأسمالية وتأثيرها على العقول يجب أن يكون محلّ اهتمامنا، بما يتطلب منّا أن نكون أكثر وعيًا تجاه الإعلام الذي نتعامل معه، فنتسائل عن المصدر والنية وراء المعلومات التي نتلقاها. ويجب علينا أن نتحدى النصوص الإعلامية السطحية ونسعى لمعرفة حقيقة الأمور، وأن ندعم الإعلام المستقل والجريء الذي يسعى لتوفير المعلومات الصحيحة والمتوازنة. وينبغي أن تكون لدينا القدرة على تفكيك وتحليل وسائل الإعلام وكشف أجنداتها وتشويه الحقيقة في سبيل الربح. كما يجب أن نكون حذرين تجاه ما نشاهده ونقرأه، ولذا فإنّ تطوير مهاراتنا في التحليل النقدي والتفكير الذكي سيساعدنا على تجنّب خداع الإعلام وحماية عقولنا منه.