إشكالية مستقبل العراق السياسي
منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003 وحتى يومنا هذا لا يزال الحديث حول مستقبل العراق السياسي يشكل حديث الساعة، سواء من قبل أصحاب مَلَكَة التنبؤ أو من قبل أصحاب مَلَكَة التحليل والنقد.
وعلى مدى عقدين من الزمن من عمر الطبقة السياسية الحالية اختزنت الذاكرة الشعبية صوراً قاتمة لناحية بناء الدولة، وذلك بفعل تفشي الفساد، والبطالة، واتساع دائرة عسكرة المجتمع، وغياب بسط السلطة على كافة جغرافيا القُطر، والتدهور الاقتصادي في بلد يحوز على الثروة النفطية، والمخاطر المتعلقة بالإرهاب وغيرها، وهذا ما أدى إلى إضفاء نظرة تشاؤمية على المستقبل السياسي عند البعض.
لقد قامت تلك الطبقة، وبدلاً من استحداث قوانين لتحسين حياة المواطنين وتحقيق المصلحة العامة، باستحداث قوانين تفتح أبواباً للفساد لتكديس الثروات وتحقيق المصلحة الخاصة، وطبعاً، وفي كل مرة، كان إعلامها يقوم بتصوير الأمر على أنه يصب في مصلحة الشعب، لا في مصلحتها.
وبفعل تلك القوانين باتت مكونات تلك الطبقة تمتلك ثروات هائلة تقوم باستثمارها انتخابياً في كل دورة انتخابية، ما يؤدي من جهة لإعادة إنتاجها برلمانياً، ومن جهة ثانية يؤدي لمزيد من تراكم الثروة، كما أصبح لبعضها مليشياتها الخاصة، فضلاً عن ارتباطاتها الخارجية الإقليمية أو الدولية، وخصوصاً الارتباط بكل من إيران والولايات المتحدة الأميركية، صاحبتي النفوذ الأبرز في العراق، وهذا ما عزز بدوره النظرة التشاؤمية.
إن ما "يزخرف" المشهد السياسي الآن يؤكد أن الطبقة السياسية الحالية، والتي لطالما تمسكت بالحكم، لم تعد قادرة على إعاقة عملية دوران النخبة السياسية
وفي المقلب الآخر، اختزنت الذاكرة الشعبية صوراً مضيئة لناحية إحداث التغيير المنشود بفضل ثورة تشرين الأول 2019، والتي كسرت حاجز الخوف عند المواطن، رغم القمع الفظيع الذي تعرض له الثوار من قبل السلطة، ما أدى إلى إضفاء نظرة تفاؤلية حول المستقبل السياسي عند البعض الآخر.
لقد باتت الثورة تمتلك رصيداً كبيراً في الشارع، وبفعل إرهاصاتها تم إجراء انتخابات نيابية مبكرة هي الخامسة من نوعها منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، وقد شهدت هذه الانتخابات نسبة مشاركة ضئيلة وضعت شرعية النظام السياسي بأكمله محل تساؤل وعلى المحك، وهذا ما عزز بدوره النظرة التفاؤلية.
وما يزيد في حجم بقعة الضوء هو أن الثورات أو الاحتجاجات على الأنظمة القائمة في أي بلد عربي أو إسلامي لم تنته إلى نتيجة صفرية؛ وذلك ببساطة لأن الشعب لم يعد قادراً على تحمل أوضاعه المزرية، وفي نفس الوقت أخذ النظام السياسي يفقد قدرته رويداً رويداً في التحكم والسيطرة، إلا أنه في بلد مثل العراق يطغى فيه تعدد الولاءات على حساب الولاء للوطن لا يتوقع أن تتحقق النتائج المرجوة في مدة قصيرة.
إن ما "يزخرف" المشهد السياسي الآن يؤكد أن الطبقة السياسية الحالية، والتي لطالما تمسكت بالحكم، لم تعد قادرة على إعاقة عملية دوران النخبة السياسية، حتى ولو أخرجت الأمر على شاكلة وجوه جديدة من داخلها كما تفعل حالياً، وذلك كمقدمة لتغييرها بأكملها.
ويبقى أن إشكالية مستقبل العراق السياسي ستبقى في المدى المنظور من دون إجابة قطعية، إلا أنه في ظل التغييرات في موازين القوى التي يشهدها طرفا النفوذ الخارجي في العراق من جهة، ومسلمة أن العراق ليس عقيماً، فإنه عاجلاً أم آجلاً سوف ينجب قادة قادرين على انتشاله من مآزقه وحل مشكلاته.