أضغاث أفلام
حدثنا عاشق ولهان لفن ترتيبه السابع، وللفنون أرقام وألوان، إذْ قال: بعد طول انتظار، سهرت الليل أرقب في إقبال وإدبار، حفلاً يُقال له الأوسكار، يتجمع فيه نجوم التمثيل والتشخيص، وكل لحظة على مشاهدتها كنت أكبر حريص.
وبعد ساعات من التشويق والتسويق، خرج علينا أول فريق. وراحوا يكشفون المستور، ويبوحون بما خفي من الأمور، ويقدمون الجوائز البرّاقة، والأعين كلها لشرف الفوز مشتاقة.
فهذا ممثل أجاد في دور البطل الهمام، وآخر لعب شخصية محارب الأشرار واللئام، وثالثٌ ينافس في فئة أفلام العشق والهيام، وكُلّ جاء يبحث عن اللقب الأغلى، ويظن أنه به من غيره أولى. وبدأ المضيفون بتتويج المنتصرين، وسط تصفيق وتهليل من الحاضرين. وما هي إلا لحظات حتى تعانق الفائزون الأوائل، واختلط الحابل بالنابل، وامتزجت خطابات الشكر والثناء، بعبرات الفرح والدموع والبكاء.
وكعادتها لم تبخل السجادة الحمراء، بكل فنون الجذب والإغراء، فهذه نجمة حسناء، خطفت بسحر جمالها الأجواء، وتلك راحت تتلوى في عُجب وتيه، وقد أظهرت من جسدها أكثر مما تخفيه.
وشخصت أبصار الملايين خلف الشاشات، وعلت الصيحات والآهات، وراح الزوج ينظر إلى الزوجة بشزر، ويندب حظه وما ساقه إليه القدر، فهذه النجمة ساطعة كفلقة القمر، وأخرى شعلة إغواء يتطاير منها الشرر.
واشتعلت الغيرة في قلوب النساء، وراح ينضح بما فيه كل إناء، واحتبست الدماء في العروق، مع كل فاتنة تمر بقوامها الممشوق، ونظرت الزوجة إلى الفساتين بحسرة، وتوعّدت أن يكون زوجها لغيره عبرة، إذا لم يحقق لها الآمال، ويمنحها ما تبغي من المال، لتشتري مثل هذه الأزياء، وتبدو كنجمات التمثيل والغناء.
وانتهى الحفل مع طلوع الصباح، وقد توقف الديك من بُرهة عن الصياح، وبعد ساعات من السهر الطويل، لم يكن للنوم من سبيل، فرحت أقلّب بين المحطات، بعيداً عن أجواء الجوائز والحفلات، فإذا بصور تدمى لها القلوب، لأطفال مزقتهم المعارك والحروب، وآخرين سالت دماؤهم والدموع، في مخيمات البؤس والمرض والجوع.
فرحت أحدث نفسي، وقد امتزج يومي مع أمسي، وأفسدت تلك المشاهد ليلة أُنسي: كيف نبحث عن المتعة بين ثنايا الأوسكار، وتلك الأشلاء تقضي تحت الدمار، أليس ذلك عاراً؟ بل هو أكبر عار!