أبو فلان يطلق جارته
يشعر أبو مرداس بالفرح، بمناسبة افتتاح مدونة "إمتاع ومؤانسة" التي كانت، خلال الأشهر الأربعة السابقة في مرحلة (البث التجريبي). يخطر له أن يشكر موقع "العربي الجديد" والقائمين عليه، بسبب اهتمامهم به وبمدونته، ولكنه يتراجع، لأنه لا يريد أن يمارس نفس العادات التي كنا نعيشها نحن السوريين في عهد الديكتاتورية، حيث كل نجاح يحرزه أحدُنا يجب أن يهديه للسيد الرئيس المناضل.
مثلما حصل مع ذلك الملاكم السوري الذي شارك في أولمبياد سيئول، قبل ثلاثين سنة، وخاض جولة واحدة، وإذا بخصمه الذي يشبه البلدوزر يكيل له لكمة أسقطته على الأرض مثل كيس الخردق، وبعدما أخرجه فريقُ الإسعاف الطبي من حالة الغيبوبة، عرك عينيه وقال: أهدي هذه الجولة للسيد الرئيس حافظ الأسد!
ويحكي لنا أبو مرداس، بهذه المناسبة الرائعة، عن رجل يدعى "أبا فلان الفلاني"، كان جالساً في المقهى، والمقهى عامر بالرجال، فقال: أنا يا إخوتي لستُ ضد الرأي، أنا ضد الرأي (الآخر) فقط!
وضحك مقهقهاً.
علا لَغَطُ الرجال وضحكُهم، ثم سألوه: لماذا يا هذا؟
فأجاب وهو يرفع إبهامه وسبابته إلى شاربيه ويمسدهما برفق: لأنني رجل، والرجل له كلمة. الرجل يجلس بين الرجال، ويعبئ مركزه.
ثم لف ساقاً على ساق، ومال بكرسيه إلى الخلف متصدراً، وقال: أنا. واستدرك متواضعاً: أعوذ بالله من كلمة "أنا"، فهي تفتح عمل الشيطان.
يضحك أبو مرداس، ويتذكر حكاية الرجل الذي ارتكب فعلة منكرة شديدة التعقيد، فلما انتهى منها قال: الله يلعن الشيطان! وإذا بالشيطان يخرج له ويقول محتجاً: يخرب بيتَك، والله أنا نفسي لا تخطر لي هذه الفعلة.
ويتابعُ أبو فلان المتواضع حديثه، فيقول: أنا كلمتي لا تصير اثنتين، أنا رجل، أنا أشق الشعرة في منتصفها. إن المبدأ الأساس الذي أتبعه في البيت هو: أنا وبس، والباقي خَسّ! أنا لستُ الحجاج بن يوسف، ولكنني، والله، معجب به، ما أجمل قولتَه (أنا ابنُ جلا وطلاع الثنايا). الحجاج، يا شباب، مثلي، مقدام. هَدَّدَ الرعية، خافت الرعية، سيطر، واستحكم. هذا مبدأ يبعث في النفس الأمان: خل يَدَكَ فوق مقبض السيف، عفواً، على قبضة المسدس، مثل المرحوم غوبلز.
تختلط الأصوات في المقهى: دايم الله، الله يرحم غوبلز، ويرحم أموات المسلمين. ولكن مَن يكون غوبلز؟
فيرد أبو فلان: هذا، يا سيدي الكريم، وزير الإعلام عند هتلر الله يرحمه، كان إذا سمع رأياً آخر، أو رأيَ مثقفين، تتحسس يدُه قبضة مسدسه، فيبلع أصحاب (الرأي الآخر) ألسنتهم، وينكتمون.
يحتدم اللغط من جديد، ويقول أحد الجلاس: الله محيي أصلك يا غوبلز، وأصل معلمك هتلر الذي أذاق العالم كله الكأس المر. كان شجاعاً و"قبضاي".
فيلتقط أبو فلان الكلمة ويؤكد: وأنا أيضاً "قبضاي"، تظنون أن زوجتي هي الوحيدة التي تهابني وتحسب لي ألف حساب؟ أبداً، فوالله أن أمي، حتى أمي، تهابني، وكذلك أختي وعمتي، وجارتنا! فما بالكم بأولادي وبناتي؟ إنهم يرتجفون قصباً حينما أسعل، مجرد سعال. هل تصدقون أنني ذات مرة غضبتُ فطلقت جارتنا؟
دهشوا وقالوا: بالله العظيم طلقتها؟ كيف؟
قال: زوجتي أم فلان، الله يرحمها، غلطت بحقي، ففار دمي وقلت لها: أنت طالق. وكانت جارتنا حاضرة فشهقت وقالت: يوه يا جاري، حرام عليك، هذه أم فلان رفيقة عمرك كيف تطلقها؟ فقلت لها: وأنت كمان طالق!
يضرب أبو فلان بكلامه هذا على الوتر الحساس لجُلَّاسه، فيطربون من تغريدته وترغلته، ويقولون له:
- عظيم جداً، أي والله، أنت فحل.
يقولونها وهم لا يعرفون أن الفحل هو التيس، وأن الشاعر علي بن الجهم أراد أن يمدح الخليفة المتوكل، فقال له:
أنت كالكلب في حفاظكَ للود
وكالتيس في قراع الخطـــــــــــوبِ
أي نعم.