أبعد من استبعاد اللاعب سعد بقير
يسأل الناس دائما عن سرّ تخلّفنا، ويحب بعضهم أن يعيد السبب إلى الدين الإسلامي وحده، ولكن المتأمل في واقعنا يرى أنّ تخلفنا بعيد عن الدين ومرتبط بثقافة العالم الثالث وانتشار الفساد في كافة المجالات، بما فيها الرياضي.
قبل المونديال بأيام تطلب الفيفا من المنتخبات المشاركة تقديم لائحة لاعبيها المختارين لتمثيل ألوان بلدهم. وكما هي العادة لا تمرّ هذه اللحظة بسلاسة، لأنّ المسألة مهمة للغاية، وتمثيل البلد في كأس العالم حلم كلّ لاعب، ولهذا يبقى يوم الإعلان يوما منتظرا للجميع، ولحظاته مشوّقة، ولعلك استغربت من فرحة اللاعب البرازيلي نيمار وعائلته، مع أنّ استدعاءه متوّقع. هي لحظات مميزة وسعادة لكلّ لاعب مهما بلغت نجوميته، ولكنها من جهة أخرى لحظات حزن وخيبة أمل لأولئك الذين تمّ استبعادهم.
قد يتفهم بعض اللاعبين الأمر والبعض الآخر لا، وقد يتفاعل البعض مع الاستبعاد بطريقته الخاصة، إما بظهورات إعلامية أو عبر حذف صوره بقميص المنتخب، حيث لكلّ طريقته في التعبير عن غضبه، ويكاد يصل الحزن إلى درجة يعلن فيها اللاعب اعتزاله اللعب دولياً، كما حدث مع اللاعب التونسي سعد بقير.
سعد بقير هو لاعب المنتخب التونسي، مواليد تطاوين عام 1994، محترف في نادي أبها السعودي، وهو أحد ركائز الفريق في خط الوسط، والرجل الذي يعوّل عليه دائما، وخاصة أنّ موهبته لا نقاش فيها.
ولكن، حين أعلن جلال القادري اللائحة النهائية فوجئ الجمهور حين لم يجد اسم لاعب الترجي سابقا، وكانت مفاجأته أكبر مع وجود أربعة حراس مرمى! لتكون اللائحة استثناءً، فما نعرفه جميعا أنّه تتم المناداة على ثلاثة حراس فقط، وأما الأربعة فهذا اجتهاد تونسي خالص!
استبعاد سعد هو حالة واحدة ومثال بسيط للغاية على ما يحدث في العالم الثالث من فساد
تلقى اللاعب الخبر بحزنٍ عميق، جعله يعلن اعتزاله اللعب دولياً، موضحاً أنه اتصل بالمدير الفني وأخبره الأخير بأنّ الأمر خارج عن إرادته وبأنّ عليه الصبر، ما اعتبره اللاعب والشارع استبعاداً ممنهجاً لحاجة في نفس الاتحاد.
ولهذا، أطلق اللاعب سهامه على الاتحاد التونسي، متهماً إياه بالضغط على المدرب من أجل الزج بحارس رابع إرضاءً للخواطر، وضخاً لملايين الفيفا في خزينة نادٍ بعينه، وهذا ما اتفق عليه كثيرون، وخاصة أنّ الأمر يتعلق بتغيير لاعب بحارس مرمى، فلو كان التغيير مرتبطا بلاعب خط وسط، لهان الأمر ربما.
لا شك أنك عزيزي القارئ تتساءل عن علاقة هذا الأمر بالمقدّمة أعلاه؟
إنّ استبعاد سعد هو حالة واحدة ومثال بسيط للغاية على ما يحدث في العالم الثالث من فساد، فسعد هو كلّ تونسي، وكلّ عربي، وكلّ ساكني العالم الثالث، هو مواطن له مؤهلات، وعنده مؤهلات يتم وضعها جانباً لإفساح المجال لمن هم أدنى منه إرضاء للخواطر وتلبية لرغبات فئة معينة.
يتعجّب الناس من أننا لم نتقدم رغم مرور سنوات على استقلال المنطقة، ويتقاذفون لهذا الأمر الأعذار ويطرحون النظريات تلو الأخرى، وكما أشرنا سابقا فأول من يشار إليه كسبب هو الدين.
"إن الشيوخ هم السبب"، هكذا يحبّ البعض أن يقول، بل ويفرد لذلك مقالات ومجلدات، وينظم المؤتمرات، مع أنه وبوقفة لا تتعدّى الساعات أمام الواقع المجتمعي في دولنا، بل ومع وقفة أمام حادثة استبعاد سعد بقير، يتجلّى لنا بوضوح أن لا علاقة لا للشيوخ، ولا للدين بما يحدث.
المسألة تتعلّق بالفساد والمحسوبية وضعف المنظومة القضائية
المسألة تتعلّق بالفساد والمحسوبية وضعف المنظومة القضائية وتملّق الصحافة التي لم تعد لها منفعة سوى نقل الأخبار، ولم تعد تتقصّى إلا في جرائم الشرف والتفاهات والمواضيع الهامشية، دون أن ننسى تولي المناصب بالمعارف والزبونية حتى بتنا نعرف من سيتولى المنصب الفلاني في السنة الفلانية، لأنّ الوجوه نفسها تتولى المناصب في إطار عملية التدوير، حيث ينتقل الرجل من وزارة النقل إلى وزارة الصناعة. والغريب أنّ تاريخه في المنصب غير مشرّف، فهو حيثما وجد كان الفساد.
والعجيب في تولي المناصب في عالمنا الثالث، أنّه كلما كنت فاسداً وأثبت فسادك، كلما اقتربت من المناصب العليا، والعكس، فكلما أثبت كفاءتك ونزاهتك وترفعت
عن الفساد، كلما ابتعدت.
سعد بقير شاب حُرم من اللعب مع المنتخب التونسي بسبب فساد مسيّر، فكيف بأمة يسيرها المفسدون منذ قرون أن تتقدّم؟ كيف لوطن أن يعيش مجده والوجوه نفسها في الوزارات منذ دهور؟
لو بقينا مليون سنة على هذه الحالة، لن نتقدم، ولو أصبح الكلّ ملحدا، لأن داءنا يكمن، أولا وآخرا، في الفساد لا غير.
لسان حال كلّ مواطني العالم الثالث يقول:
"خذوا المناصب والمكاسب لكن خلّو لي الوطن"، كما يقول الفنان التونسي لطفي بوشناق في أغنيته الشهيرة.