"حرس ملك ملوك أفريقيا"... المقدمة

06 أكتوبر 2022
+ الخط -

مقدمة

كيف لي أن أحمل القارئ إلى الأماكن التي أريده أن يذهب إليها؟، كيف لي أن أمسك بتلابيبه في عصرنا الرقمي؟ من المرجح أن تذبل قصصنا وتموت موتاً رمادياً.

نتخبط كالأعمى في منطقة مجهولة مرتجفين، ندرك أننا إذا فشلنا في أن نكون لامعين فإن القراء لن يتخطوا الأسطر الأولى التي ينبغي لها أن تكون حبلى بعرض تقديمي سلس جاذب لهم، ويعطي سبباً للاهتمام. يلزمني استخدام القلم الأحمر أو قلم الرصاص لتشذيب العبارات، وسكب حفنة من الشعر على الرصيف وشيء من النثر، وقرص الكلمات المترهلة. قعقعة أصابعي على شريط المسافة والتفكير فيما أكتبه للتو يؤرقني!.

سنوات برفقة القذافي

ومضات من ذكرى سنين عجاف وتجربة خصبة بالمواقف المرعبة والأوقات الصعبة، حيرة تلف المكان والزمان. أعود لأستجدي ما لا يزال يسكن زواريب الذهن، أقتفي أثر أقدامي بالأمس عندما اخترت الانضمام إلى صفوف القوات المسلحة الليبية، كان ذلك في بواكير الصبا وغرارة الفتوة، وأشياء جمة من تلك الشعارات الفضفاضة التي دغدغت أحلام جيل ولهث وراءها أملاً في ولادة وطن ينعم بالطمأنينة وترفرف عليه راية الحرية والعدالة والمساواة، جيل يتطلع إلى التنمية والتعليم ووضع لبنات الأساس لبناء جيل واعد تغمره الروح الوطنية ويتنعم عبير وطن له قدسيته وقد صقلته تجارب التاريخ ومحن وخطوب لا حصر لها، لقد آنت لحظة الخلاص، إرهاصة التغيير نحو الأفضل، مبادئ سامية، وأهداف نبيلة سكنت لواعجنا وتبخرت فجأة في لحظة ذهول وريبة، وسؤال يفتقر إلى الإجابة وقد وقعت الفأس بالرأس.

هي سيرة من سنوات مرت ثقيلة ومتخمة بالجراح، كان الصمت بلسما رغم مرارته

ما الذي جرى؟.. كيف يحدث هذا؟.. وكيف الخروج من المأزق وسط حصار قانون عسكري صارم يقتضي تنفيذ الأوامر دون أخذ أو رد، عنوانه الطاعة العمياء، وخلاف ذلك فما ينتظر مما ليس في الحسبان..

هذه هي دساتير الخدمة العسكرية. الطاعة والامتثال للأوامر دون نظر أو نقاش، الويل كل الويل لمن يتجرأ على الرفض، ووفقاً لقانون الشرف العام لا يكفي أن تعاقب لوحدك، بل جريرة ذلك ينال من كل أفراد عائلتك والأقربين.. ولا مناص.

هي سيرة من سنوات مرت ثقيلة ومتخمة بالجراح، كان الصمت بلسماً رغم مرارته، وأشياء هي من الكثرة بحيث يصعب حصرها عبرت مزعجة مربكة. وفي النفس أنين وحسرة، ندم على اختيار نهج خالف التوقعات، خابت النيات ووئدت الأحلام والآمال.

تقاصرت المسافات وتسارعت وتيرة الزمن، لحظات تاريخية من عمر أمة تقارع أمم العالم المتقدم.. كنا نقول: غداً تزهر الأرض البور وتحرق المراحل ونسابق الزمن، فلا تتأخر عن خدمة الوطن إن كنت خياره.

صحيح أن النفط نعمة، لكنه نقمة أيضاً، حتى إنه كثيراً ما يحدث نوعاً من انفصام الشخصية يصيب القيادة السياسية بجنون العظمة وتنظر خارج حدود بلادها، لأن لها التمويل اللازم لإدارة النفوذ الوهمي بما يكفي وزيادة..

.. يتبع
عبد القادر الفيتوري .. ليبيا
عبد القادر الفيتوري
عضو هيئة تدريس بالجامعة الليبية... سجين رأي في زمن القذافي، صدر لي ثمان مؤلفات منها: أربع عقود داخل الزنزانة، وحرس ملك ملوك أفريقيا.