لقد بدأت الحرب منذ سنة ولا تريد أن تنتهي، وها قد اقتحموا البلدة ليلة أمس.. تحدث الزوج بهدوء كما لو أنه يقول "لقد أحضرت الخبز". هكذا كان دائماً، شخصاً هادئاً ورزيناً بخلاف زوجته التي كانت صاخبة ومضطربة على الدوام..
أتذكر أني حين كنت في الفصل الأول في الجامعة قررت أن أخرج وأرسم في محطة شبه مهجورة من محطات الطرام، يمر بها ولا ينزل أحد أو ينزل شخص أو اثنان، كنت أرتدي ثيابي السوداء معطفي الرمادي الذي تمنعني أمي حالياً من ارتدائه..
حين كنت في الصف السادس بالمدرسة الابتدائية "حي الانبعاث 3" -لا أزال أتعجب من اسمها- كنت أدرس اللغة الفرنسية والرياضيات عند أستاذة اسمها "زكية" والمعلومة الأولى التي تتبادر إلي عنها أنها كانت تكره المدير..
كنت عائدة من العمل أفكر: ليته يتصل قبل بلوغي المنزل، رغم أنني لا أهتم كثيراً، فحين أصل سأرى نظرته الجميلة كأنه يرى لغزاً مثيراً للاهتمام، وابتسامته المتسائلة كما لو أنه يحتاج المزيد من الوقت ليفهم اللغز..
فوجئت رضوى بنوبة ألم في الباص المغادر إلى الكلية، طالما شبهت الأمر لنفسها بأنه كمخاض بدرجة أقل. أحاطت بطنها بيديها وحاولت الحصول على أكبر قدر ممكن من الدفء..
تجلس رضوى بين بطانيتين، تحمل كأس حليب دافئ وتتأمل الخطوط المتعرجة على السقف وتنصت لصوت البرد في الخارج. أصيبت ذاك اليوم بالرشح، لذلك عادت إلى سَنَتِهَا الثالثة حين كانت تعد لها والدتها حليبا مغليا مع عشبة "فليو"..
تتساءل رضوى دائماً عن إمكانية بنائها عشاً بنفسها تستطيع الفراخ العيش فيه دون أن تعيد ترتيبه. هي لم تستطع فعل شيء منذ رأت السنونو يطير قرب نافذتها وأرادت بكل رغبتها الطفولية بناء عش سنونو تحت نافذتها..
تخلى الحسين عن دراجته الهوائية التي توصله إلى الكلية خلال خمس دقائق ليدفع مائة وخمسين درهماً شهرياً لأجل بضع دقائق معنا على القطار، فنحن في الكلية لسنا كما نحن في القطار..
تقول رضوى إنه بإمكانها صنع صمغ من أشياء منزلية، ولا أحد يصدق ذلك. تقول رضوى إنها تستطيع رسم القمر، ولا أحد يهتم. تقول رضوى إنها أمسكت فرخ نسر، والكل يضحك.