أوكرانيا تنتظر الغاز الروسي

06 أكتوبر 2014
تقف أوكرانيا على عتبة الشتاء(روب ستوزارد/Getty)
+ الخط -
تشهد العلاقات الروسية الأوكرانية، بعد أسبوع على إبرام اتفاق وقف إطلاق النار مع الانفصاليين الموالين لروسيا، هدوءاً، وليس ذلك بسبب الاتفاق بل بسبب حاجة الطرفين إلى الغاز الطبيعي، فكييف بأمس الحاجة إليه على عتبة الشتاء، وموسكو ليست أقل حاجة إليه مع تباطؤ نموها على خلفية العقوبات الاقتصادية، وتسجيله مؤشرات سلبية في بعض المجالات، فضلاً عن خسائره التي وصلت إلى حوالي 4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

وعلى الرغم من أنّ المواطنين بدأوا يتنفسون هواء مشتركاً، مع عودة القطارات إلى العمل بين موسكو وكييف، وبين موسكو وسيمفيروبل عاصمة شبه جزيرة القرم عبر كييف، كذلك عودتها بين لوغانسك ودونيتسك وكييف، غير أنّ المشاكل لا تحل بـ"تبويس اللحى" بين الطرفين.

وتعتبر أوكرانيا قوية بروسيا وضعيفة من دونها حتى مع "العكازات" الأوروبية و"المقويات" الأميركية. كما أنّ موسكو ليست في وارد التغاضي عن مليارات الدولارات، ثمن استهلاك الغاز الروسي، المترتبة على السّلطة الأوكرانية الجديدة (الانقلابية كما يراها الكرملين)، ومع ذلك يبدو أن الكفّة ترجح باتجاه حلٍّ ما، وإن يكن مؤقتاً، أو تجميد الأزمة إلى حين بين الجارين المحكومين بمعادلة تديرها واشنطن إلى اليوم.

أما أوروبا نفسها فتحتاج إلى هدنة بين الطرفين المتصارعين، لضمان مرور الغاز الروسي إليها، كما تحتاج إليه كييف، ولعلّ واشنطن تدرك أن مزيداً من الضغط على حكومات أوروبا قد يسقطها، في حال انطفأت مواقد دافعي الضرائب والناخبين الأوروبيين، ولذلك فهي تخفف عن سادة أوروبا "ذلّ" الخضوع في فصل الشتاء.

من هنا، استبشر الناس خيراً بإعلانٍ مبكر عن اتفاق مبدئي بشأن الغاز الروسي الى أوكرانيا، وبالتالي الى أوروبا.

فمفاوضات الغاز كانت على الدوام أشبه بحفلة رأس سنة، تتكرر سنويّاً وتختتم باتفاق ما قبيل انطلاق الألعاب النارية في سماء العاصمتين وأحياناً معها، وكانت أوروبا توافق ضمناً، مضطرة، على سرقة كييف جزءاً من الغاز الذي تضخه روسيا إلى عواصمها قبل ذلك الحين، إذ إن كثيراً ما كان يجري الحديث عن انخفاض الضغط في الأنابيب.

غير أن هذا الأمر كان يحل وإن "بصعوبة" في زمن صداقة العاصمتين المكوِّنتين لروسيا التاريخية، أما اليوم فكيف يمكن أن يحل، ولاسيما أنهما في زمن عداوة تؤججها واشنطن كيفما تستطيع.

ويتداول الحديث عن اتفاق أولي، في انتظار أن يتحول إلى نهائي. فقد توصل الاتحاد الأوروبي وروسيا وأوكرانيا خلال لقاء ثلاثي جمع الأطراف الثلاثة في برلين، في 26 سبتمبر/أيلول الحالي، إلى موقف موحد من إمداد أوكرانيا بالغاز الروسي، لكن ليس من دون شرط روسي صعب التحقيق، ويتضمن الشرط تسديد أوكرانيا لديونها من الغاز، التي تراكمت حتى بلغت في بداية سبتمبر/أيلول الجاري 5.3 مليارات دولار.

ويقول نائب رئيس المفوضية الأوروبية والمفوض الأوروبي لشؤون الطاقة، غونتر إيتينغر "بنتيجة المفاوضات تم التوصل إلى قرار تلتزم أوكرانيا بموجبه بتسديد ملياري دولار من حساب الغاز المفتوح. وهذا المبلغ يجب تحويله قبل نهاية أكتوبر/تشرين الأول المقبل إلى حسابات الشركاء الروس". بحسب ما نقلت وكالة "إيتار تاس" الروسية.

مع العلم أن المفوضية الأوروبية ستحصل مبدئياً على ضمانة التسديد المطلوبة من صندوق النقد الدولي، أي أن أوكرانيا ستسدد الدفعة الأولى من ديون الغاز من الأموال التي ستقترضها من هذا الصندوق. وبعد ذلك سيكون على "غاز بروم" ضخ 5 مليارات متر مكعب من الغاز، بسعر 385 دولاراً للألف متر مكعب.

إضافة إلى الملياري دولار السابقين، سيكون على كييف تحويل مبلغ 1.1 مليار دولار إلى حسابات موسكو، في وقت تشير فيه مصادر وزارة المال الأوكرانية إلى أن محتويات خزينتها اليوم أقل من ملياري دولار.

وربما هذا ما دفع وزير الطاقة الأوكراني، يوري برودان، إلى القول: "ليس هناك اتفاق نهائي في شأن الغاز. فلا تزال هناك مسائل غير متفق عليها بين أوكرانيا وروسيا". وفقاً لما نقلته وكالة "يونيان" الأوكرانية.

وبناء على ما تقدم، فإن من الواضح أن الطرفين مقبلان على جولة أخرى من المفاوضات الصعبة، من غير المعروف بعد إن كانت ستعقبها أخرى، في ظل انعدام الثقة والحرص المتبادل على علاقات طيبة.

ومن المتوقع أن تجرى جولة المفاوضات التي يقال، إنه سيتم خلالها إبرام الاتفاق النهائي، الأسبوع المقبل. علماً أن موسكو وبروكسل وكييف، سبق أن خاضت جولة مفاوضات في بداية يونيو/حزيران الماضي، تم خلالها الوصول تقريباً إلى اتفاق بشأن السعر، غير أنّ كييف بعد حصولها على مال من صندوق النقد الدولي وكان موسم التدفئة لا يزال بعيداً، دفعت بشروط جديدة غير مقبولة من الجانب الروسي.

وربما يكون هناك من أوحى الى أوكرانيا بحلول أخرى ممكنة قبل الشتاء تغنيها عن الغاز الروسي، وربما كانت حسابات المعركة تقول، إن روسيا ستحشر في الزاوية الصعبة بعد سحق متمردي دونباس فتقبل بأي شروط، غير أنهم بدلاً من أن يسحقوا انتصروا، والغاز الصخري الأميركي يحتاج إيصاله إلى زمن أطول من الصيف الأوكراني.