بدعة جديدة لنظام الأسد: بورصة دمشق الأولى عربياً

29 يوليو 2014
البورصة لا تضم سوى 52 شركة (لؤي بشارة/فرانس برس/getty)
+ الخط -

أخذ إعلام النظام السوري خبر احتلال مؤشر بورصة دمشق المرتبة الأولى بين جميع البورصات العربية خلال الربع الثاني من العام الجاري، كفتح اقتصادي يضاف لسجلات "انتصار" جيش الأسد على "المؤامرة الكونية".

وتجاهل هذا الإعلام حقائق وبديهيات الأسواق المالية، مكتفين بتقديم شهادة اتحاد البورصات العربية الذي تاه، هو الآخر، على ما يبدو، خلال مقارنته بين عدد الصفقات وحجم التداول ولم يعر اهتماماً لقيم التداول أو نسبة تضخم الليرة المقيّمة الأسهم وفقها، ولا حتى لعلميات الاحتيال التي تتم بسوق دمشق من خلال إضافة الأسهم لحجم التداول أثناء نقل ملكيات لأسهم شركات، حكم نظام الأسد على أصحابها، بالحجز الاحتياطي أو صادر ملكياتهم.

وجاء بالتقرير أن بورصة دمشق احتلت المرتبة الأولى بين البورصات العربية لجهة التعاملات، رغم أن الاقتصاد السوري شبه مشلول منذ نحو ثلاثة أعوام، وحتى الشركات المالية المدرجة في السوق، منها ما أعلن إفلاسه ومنها ما يصمد رغم الخسائر، لأسباب في الغالب، غير اقتصادية.

أما المفارقة الكبرى في خبر فوز بورصة دمشق بهذه الجائزة المعنوية التي استخدمها النظام السوري وإعلامه كدليل على تعافي الاقتصاد وتسارع دورة عجلته، هو أن البورصات من أكثر القطاعات تأثراً بالسياسة والأمن، فتصريح يمكن أن يهوي بأسهم في بورصة تعتمد الشفافية معياراً، فكيف لسوق مالية في بلد تأكل الحرب جميع مكوناته، أن يرتفع مؤشره خلال الربع الثاني عما كان عليه في الربع الأول لتبلغ نسبة ارتفاعه 6.16 في المائة ويبلغ المرتبة الأولى عربياً؟ .


حملة لتبرير الخسائر والقتل


يقول مستشار رئيس الحكومة المؤقتة المقالة الدكتور أسامة قاضي إن الكلام عن الانجازات "المذهلة" لسوق دمشق للأوراق المالية، يتحاشى ذكر حجم التداول وعدد الصفقات وقيمة التداول المتواضعة للغاية مقارنة مع حجم اسواق الاوراق المالية في الوطن العربي فضلاً عن الأسواق العالمية.

ويضيف قاضي لـ "العربي الجديد": "تجاهل الخبر عدد الشركات الخاضعة لإشراف هيئة الأسواق المالية والتي لايتجاوز عددها 52 شركة عام 2013؛ مجموع رأسمالها 150.6 مليار ليرة سورية بمعنى حوالي 800 مليون دولار؛ بينما القيمة السوقية للأسهم المصدرة لهيئة الأوراق المالية لدبي تجاوز 300 مليار دولار؛ والسوق المالية السعودية تداولت 480 مليار دولار لعام 2014.

كما أن القيمة السوقية لكل الشركات الـ 52 المتداولة في الهيئة السورية لايعادل 1 في المائة من القيمة السوقية لشركة واحدة مثل سابك السعودية التي تجاوزت قيمتها 102 مليار دولار في هيئة الأوراق المالية السعودية. 

ويلفت إلى أن 76 في المائة من الشركات المدرجة في الهيئة هي مصارف إما مغلقة ومعطلة ومجمدة وفي أحسن الأحوال تعمل بعشر طاقتها، أو متوقفة عن العمل منذ بداية الثورة، أما بسبب الخلافات مع الدول الداعمة للثورة اوبسبب العقوبات المفروضة على النظام السوري في عالم المال مثل رامي مخلوف الذي له الحصة الأكبر في معظم الشركات المدرجة وهذا انعكس سلباً على اداء المصارف عموماً.

ويشرح قاضي لـ "العربي الجديد" أنه: "حسب تقرير الهيئة 2013 لم تقم أي شركة بإصدار أسهم جديدة عام 2013 كدلالة على انخفاض ادائها وتعثرها بسبب الظروف الأمنية التي تمر بها سورية ومنها تعرضها للسرقة والسطو المسلح من مثل المصرف الدولي للتجارة والتمويل وبنك بيمو السعودي وشركة ماس للتوزيع وإنماء الزراعية وغيرها؛ كما انه هناك 16 شركة لم تستطع عقد اجتماع هيئتها العامة؛ وهناك 12 شركة من أصل 52 لم تفصح عن بياناتها المالية عام 2013؛ وهناك فقط 12 شركة قامت بتوزيع أرباحها عام 2012؛ كما أن هناك 11 شركة فقط تضع بياناتها المالية على صفحتها الإلكترونية فضلاً عن هناك 21 شركة من أصل 52 شركة لاتوجد لديها صفحات الإكترونية حسب تقرير الهيئة لعام 2013".

وكدلالة أكثر على تعثر عمل الهيئة وضعف نشاطها بشكل حاد فإن "عدد الشركات المدرجة عام 2012 هي شركة واحدة أما عام 2013 فعدد الشركات صفر ولم تدرج أي شركة جديدة".

ويتابع قاضي: "لاشك ان النظام السوري يحاول تسويق بعض النجاحات الملتبسة للراي العام ليوحي أن الوضع الاقتصادي مستقر ولكن واقع حال انعدام الأمن وبراميل المتفجرات والتهجير القسري وخراب البلاد وصور القتل اليومية جدير بإجهاض اي حملة اعلامية دعائية تحاول تحسين صورة النظام. 


تضليل لرفع المعنويات


ويقول الإعلامي الاقتصادي معمر عواد: "تفتقر بورصة دمشق لأبسط حدود الشفافية، فهي تعمل في بيئة مسيسة ومغلقة وليس من حصة للأجانب يمكن أن تعري ما يجري خلال جلساتها الثلاث أسبوعياً، والتي لا تزيد الجلسة منها عن ثلاث ساعات".

ويضيف عواد  لـ "العربي الجديد": "كيف تتم المقارنة بين بورصة دمشق الناشئة مع بورصات عربية ناضجة، ويؤخذ مؤشر واحد ليتم على أساسه التقييم؟

وإن فرضنا أن ارتفاع مؤشر السوق دليل على زيادة التعاملات، فهو دليل صحيح لكنه لا يعبر عن الحقيقة، فهو أشبه بمقارنة نمو مصرف بنسبة 3 في المائة لكن أرباحه مليارا دولار بمصرف آخر نسبة نموه 25 في المائة لكن أرباحه 10 ملايين دولار.

وتوقع عواد أن النظام السوري الذي يدير الاقتصاد بعقلية سياسية وقرارات أمنية، هو وراء دفع زيادة حجم التداول كي يعطي ثقة للسوريين تعوض عن الخسائر التي منيّ بها اقتصادهم جراء الحرب، والتي تقدر بأكثر من 200 مليار دولار .


بورصة دمشق منهارة


ويقول محلل مالي سوري، فضل عدم ذكر اسمه، لـ "العربي الجديد" إن: "مؤشر سوق دمشق هو مؤشر مبني على اساس القيم السوقية، أي أنه يعكس قيمة الشركات المدرجة ضمن البورصة بناء على قيمة السهم بحسب آخر إغلاق آخذاً بالاعتبار أحجام التداولات.

ولكن في البداية علينا ان نسأل: هل أخذ اتحاد البورصات العربية بالحسبان تفاوت معدلات التضخم بين البلدان المقارنة،  فمؤشر سوق دمشق يبدو انه ارتفع بنسبة6.1 في المائة،إلا أننا إذا أخذنا معدلات التضخم بالاعتبار يبدو أن القيمة الحقيقية للمؤشر يجب أن يعبر عن انهيار البورصة، على اساس ان الليرة السورية فقدت خلال عام حوالي 68 في المئة".

ويضيف المحلل المالي أنه "ثمة سبب اخر يمكن اضافته هو عدد الشركات المدرجة في سوق دمشق مقارنة بعدد الشركات وملاءتها في الأسواق التي أخذتها الدراسة بالاعتبار، فغالب البورصات العربية هي بورصات ناضجة تحتوي على عدد كبير من الشركات، مما يجعل تغير القيمة السوقية لاحدى الشركات لايؤثر بشكل كبير على مؤشر السوق بشكل عام، الا انه في سوق دمشق للاوراق المالية عدد الشركات المدرجة قليل مقارنة بأسواق المنطقة، أي أن تغير أسعار هذه الاسهم يؤثر على المؤشر بشكل كبير".

يذكر أن سورية شهدت إنشاء ثاني بورصة عربية بعد بورصة القاهرة  في خمسينيات القرن الماضي، إلا أن حكم البعث أغلق السوق المالية ولم تعد البورصة للعمل في دمشق إلا في العام 2006.

دلالات
المساهمون