الروس يتجرعون مرارة الروبل

18 ديسمبر 2014
انهيار الروبل يهدد الروس بموجة غلاء غير مسبوقة(فرانس برس/Getty)
+ الخط -
يواجه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تحدياً كبيراً يتمثل في هبوط عملة بلاده المحلية، ما يضر بشعبيته التي تستند جزئياً إلى تحقيق الاستقرار والرخاء، إذ يقوض هذا الهبوط مصداقية روسيا أمام المستثمرين.
وسُمي الخامس عشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري، في روسيا "يوم الإثنين الأسود"، ففي هذا اليوم لم يترك الروبل للروس أن يغفوا بسلام، فقد تراجع في ساعات قليلة بمعدل 25%، مذكراً بانهيار 1998.
وتُلقي الأوساط الروسية باللوم على الحكومة التي دعمت شركة النفط الحكومية "روس نفط" على حساب مدخرات المواطنين، والدور غير المباشر في المضاربة الذي لعبته هذه الشركة، حين اشترت دولارات بروبلات القرض الذي منحتها الحكومة إياه؛ والذي يعادل حوالي 10 مليارات دولار بأسعار يوم الإثنين الماضي (الأسود).
ومع أن الحكومة ومسؤولي الشركة حاولوا رفع المسؤولية عن أنفسهم، إلا أن الأوساط الاقتصادية تتحدث عن حاجة الشركات الكبرى لتسديد التزاماتها بالعملة الصعبة إلى مقرضيها الأجانب قبل نهاية العام الجاري، ما يعني انتظار مزيد من تدهور قيمة العملة الروسية.

الفائدة والفقراء

اجتمع مجلس مديري البنك المركزي ليل الإثنين الأسود، وقرروا رفع سعر الفائدة من 10.5 إلى 17%، الأمر الذي أدى إلى استعادة الروبل بعض عافيته لبضع ساعات من صباح اليوم التالي. إلا أنه من الصعب توصيف حالة الروبل بأرقام، فسعر صرفه يتغير خلال ثوان وليس دقائق أو ساعات، بفعل حمى الطلب على العملات الصعبة والمضاربات.
وارتفع الروبل الروسي أمس الأربعاء بنحو 3% أمام الدولار، و4.2% أمام اليورو، وسط تعاملات متقلبة بعدما قالت وزارة المالية إنها بدأت في بيع العملة الأجنبية. وبالرغم من هذا التعافي المتواضع ما زال الروبل منخفضاً 50% تقريباً أمام الدولار هذا العام.

ونقلت وكالة "ريا نوفوستي"، تعليل البنك المركزي لقرار رفع الفائدة، بالحاجة للحد من انخفاض قيمة العملة ومخاطر التضخم. وأشارت إلى أن معدل الفائدة 10.50% الذي أقر في البداية لم يصمد سوى أربعة أيام، لذلك كان لا بد من إجراء آخر.
ومن الجدير بالذكر أن سعر الفائدة السنوي كان في فبراير/شباط من هذا العام عند مستوى 6.5% فقط.
وفي إطار توقعات تأثير سعر الفائدة الجديد على الأسواق، نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن المدير العام لمكتب عقارات النخبة، اليزابيتا نيكراسوفا، توقعها أن ينعكس إبقاء معدل 17% كسعر فائدة لمدة طويلة على الرهن العقاري، ويقتضي زيادة الأسعار بالنسبة نفسها إن لم يكن أكثر في السوق الأولية، في حين أن الطلب سينخفض بنسبة 50% على الأقل في الوقت نفسه، "الأمر الذي سيؤدي إلى زعزعة استقرار السوق".
وفي حين أن "نيكراسوفا" تتحدث عن عقارات الأغنياء، فإن الثمن الأكبر سيدفعه الفقراء الذين ستلقي بهم الأزمة على هوامش الحياة، الأمر الذي يوصّفه بعض المسؤولين الروس بالأرقام. فقد نقلت وكالة "إنترفاكس" عن نائب رئيس الوزراء، أولغا غولوديتس، قولها "إننا ننهي العام بـ 15.7 مليون فقير في البلاد. ولكن عددهم سيزداد حتماً في ظروف التضخم خاصة بين العائلات التي لديها أطفال".
إلى ذلك، نقلت صحيفة "إزفيستيا" عن المدير التنفيذي لجمعية شركات التجزئة، أندري كاربوف، تأكيده أن أسعار السلع الغذائية ارتفعت هذه السنة بنسبة 20-25%، وأن الأشهر الأولى من العام المقبل ستشهد ارتفاعاً آخر في أسعارها بحوالي %15.
ويشار هنا إلى صعوبة التنبؤ بتطور أسعار السلع المستوردة، على ضوء الحمى التي يشهدها سوق العملات في روسيا، في حين تم الاعتراف رسمياً بنسبة تضخم وفق أسعار السلع الغذائية في النصف الأول من العام الجاري بلغت 7.9%.
وفي سياق مشابه، نقلت وكالة "إنترفاكس" عن النائب الأول لرئيس البنك المركزي الروسي، سيرغي شفيتسوف، قوله أمس الأول: "الحالة حرجة. وما يجري لم يكن لنا أن نتصوره حتى في الكوابيس قبل عام من الآن"، مؤكداً أنّ "القرار الذي اتخذه البنك المركزي هو اختيار بين سيئ جداً وسيئ جداً جداً، وما يحصل اليوم وفي الأيام الأخيرة يمكن أن تكون له نتائج متباينة".


"روس نفط" تضارب

محاولات البنك المركزي الروسي مساعدة العملة الوطنية، إما جاءت متأخرة أو لم تعد تفيد في ظروف المضاربة، فالسوق الروسية مشبعة بذاكرة تاريخية، مستعدة لابتلاع العملات الصعبة مهما بلغ حجمها. إضافة إلى أن الروبل، غير المدعوم إلا بدرجة ضعيفة من قطاعات اقتصادية أخرى غير مصادر الطاقة، لا يستطيع مقاومة هبوط أسعار النفط دون أن ينهار معها.
وخفّضت منظمة "أوبك" توقعاتها للطلب على النفط في العام 2015 إلى أدنى مستوى له منذ 12 عاماً، بمعدل 300 ألف برميل يومياً، إلى 28.9 مليون برميل.
في هذا السياق، نقلت صحيفة "فزغلاد" عن إيفان كوبيكين، الخبير في مؤسسة خدمة البورصات الاستشارية "إكسبريس"، قوله: "المحرك الرئيسي لانخفاض العملة الروسية لا يزال النفط. وقد بلغ أدنى مستوياته في الأشهر الخمسة الأخيرة".
ويرى كوبيكين مشكلة إضافية في حاجة الشركات الوطنية في نهاية العام لسداد القروض الأجنبية التي تبلغ قيمتها أكثر من 30 مليار دولار، على حد قوله.
وفي السياق، يلاحظ الخبراء الروس أن الشركات الكبرى المملوكة للدولة تلعب دور مضاربة عبر شرائها العملة الصعبة، وخاصة أنها تحصل على المال من خزينة الدولة. فمثلاً، شركة "روس نفط" تحتاج الآن إلى مبالغ كبيرة بالدولار من أجل الوفاء بالتزاماتها أمام الدائنين مع نهاية العام.
وقال وزير المالية الروسية السابق، أليكسي كودرين، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أن "روس نفط" ساهمت في تدهور قيمة الروبل، موضحاً: "لقد سخن السوق بصورة سلبية ذلك القرض غير الشفاف والبالغ 625 مليار روبل (المقدم لروس نفط) في وقت غير مناسب على الإطلاق".
المساهمون