3 سيناريوهات لأسعار النفط في 2015

20 ديسمبر 2014
جانب من اجتماعات "أوبك" في فيينا(فرانس بس)
+ الخط -
سلعة النفط التي تحمل في أضابيرها العجائب، تفعل هذه الأيام بأسواق المال والمستثمرين ما لم تفعله الحروب. ومع انخفاض أسعار النفط بأكثر من 45% في ظرف خمسة شهور، يتكاثر عدد الضحايا، وتبرز المتناقضات.
وفيما يطالب المستثمرون الغربيون، ولأول مرة منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، بالتدخل ضد حرية السوق، تصر المنظمة على ترك الأسعار تتأرجح بحرية وفقاً لأسس العرض والطلب.
ومهما يقال من انتقاد لقرار اجتماع "أوبك" في 27 نوفمبر/تشرين الثاني في فيينا، الذي لم يغير شيئاً في سقف إنتاجها البالغ 30 مليون برميل يوميا، فهو قرار حكيم، حسب متابعين لسوق النفط، ويتوافق تماماً مع مصالح المنظمة في الحفاظ على حصتها في السوق النفطية العالمية، وفقاً للمبدأ الرأسمالي الذي تعوم فيه الأسعار بحرية في بحر المتغيرات العديدة التي تحكم سلعة استراتيجية بأهمية النفط، يقدر سوقها السنوي بحوالى 3.4 تريليونات دولار، وحجم المضاربة عليها في سوق العقود الآجلة بأكثر من 10 تريليونات.
ولكن يبقى السؤال الذي يبحث عن إجابة وهو: إلى متى سيستمر تدهور الأسعار؟ وهل سينخفض عرض النفط من المنتجين خارجها تلقائياً ليفسح المجال أمام امتصاص المعروض ويسمح لأسعار النفط بالارتفاع التدريجي؟
هذه هي الأسئلة التي ستحاول "العربي الجديد" الإجابة عليها في هذا التحليل.

انهيار الأسعار

يبدو انهيار أسعار النفط السريع، محيراً للوهلة الأولى، ولكن ما أن تقترب من الأسباب، حتى تجد أن كل ما حدث كان منطقياً ويتناسب تماماً مع هذا الانخفاض، حيث إن توقعات تباطؤ النمو العالمي قد تواترت من قبل صندوق النقد الدولي والعديد من المؤسسات الدولية المرموقة في النصف الثاني من العام الماضي. وبالتالي راجعت وكالة الطاقة الدولية ومنظمة "أوبك" لمستويات الطلب العالمي المتوقع من النفط. وهذه التوقعات والمراجعات خلقت حالة نفسية وسط المستثمرين والمضاربين في الصناعة النفطية.
أما العامل الثاني: فهو الاستثمارات الضخمة التي ضختها الدول والشركات في الصناعة النفطية خلال السنوات الأربع الماضية التي ظلت فيها الأسعار مرتفعة. وبلغت هذه الاستثمارات حوالى 2.4 تريليون دولار، طبقاً لمصرف "باركليز كابيتال"، وخلقت فائضاً يقدر بحوالى مليوني برميل يومياً.

ثالثاً: العوامل الجيوسياسية التي كان يعول عليها المضاربون في رفع أسعار النفط، وهي عوامل الاضطراب في مناطق الإنتاج الرئيسية مثل العراق وليبيا ونيجيريا. هذه العوامل لم تترجم في رفع الأسعار كما كان متوقعاً، لأن ثورة النفط الصخري التي أضافت حوالى 4 ملايين برميل يومياً إلى طاقة الإنتاج الأميركية، غطت كل نقص يطرأ في السوق بسبب عوامل الحروب.

سيناريوهات المستقبل

ولكن إلى أين تتجه أسعار النفط في العام المقبل؟
يرسم خبراء الطاقة، ثلاثة سيناريوهات لتطور الأسعار في العام المقبل 2015.
السيناريو الأول: أن تواصل أسعار النفط التدهور إلى حدود 40 دولاراً للبرميل في النصف الأول. ثم تبدأ في الارتفاع التدريجي في النصف الثاني. ويروج لهذا السيناريو المتشائم بعض محللي الأسواق، كما تحدثت عنه بعض الدول النفطية مثل إيران. وهو سيناريو مستبعد، لأن الأسس التي تخلق الطلب العالمي على النفط قوية، خاصة في أهم اقتصادين، وهما الاقتصاد الأميركي المتوقع له أن ينمو بأكثر من 3% خلال العام المقبل، والاقتصاد الصيني الذي يتوقع أن ينمو بأكثر من 7.5%.
كما أن الفائض في السوق النفطي ليس كبيرا؛ حيث تتأرجح التوقعات بين مليونين و700 ألف برميل حالياً.
أما السيناريو الثاني: فهو أن تكون أسعار النفط بلغت القاع حالياً، وأن سعر 60 دولاراً للبرميل هو السعر الذي سيشكل السعر المرجعي بالنسبة لخام برنت، وأن الأسعار ستبدأ في التأرجح حول هذا المستوى طوال الربع الأول من العام الجديد، ثم ترتفع إلى 70 دولاراً وتستمر طوال الربع الثاني من عام 2015. لتقفز فوق 75 دولاراً، وتستمر تتأرجح حول هذا المعدل طوال النصف الثاني من العام المقبل.
وهذا المستوى من الأسعار يرجحه مصرف "بانك أوف أميركا- ميريل لينش" الاستثماري الأميركي. وحسب قول خبير السلع في فرع المصرف بلندن، البرتو أديس، في تحليل إلى "العربي الجديد"، فإن أسعار النفط ستنتعش خلال 2015 ربما إلى 80 دولاراً للبرميل، ولكن لن تصل إلى مستوياتها السابقة قبل يونيو/حزيران.
أما السيناريو الثالث: فهو عودة الأسعار إلى مستوى 90 دولاراً للبرميل بنهاية النصف الثاني من 2015. وهو السيناريو المرجح. ويعتقد في هذا السيناريو، فرانسيسكو بلانش رئيس قسم السلع في مصرف "ميريل لينش"، الذي يرى أن السوق النفطية ستتمكن من امتصاص الفائض، وأن الأسعار ستعود إلى مستوى 90 دولاراً.

ذعر المستثمرين

يجب الأخذ في الاعتبار أن الانهيار الذي حدث في أسعار النفط من 115 دولاراً في يونيو إلى أقل من 60 دولاراً خلال تعاملات الثلاثاء الماضي بالنسبة لخام برنت، حدث جزء كبير منه بسبب مخاوف المستثمرين في النفط.
ويلاحظ، حتى الآن، أن التداول في الأسواق يحكمه الذعر أكثر من أسس العرض والطلب وقوى السوق الأخرى، حيث هرب المستثمرون من النفط ومن شركات خدمات النفط والسندات النفطية، خاصة من شركات النفط الصخري الأميركية التي يبدو أنها أقرب إلى الانهيار من غيرها.
وتواصل أسعار أسهمها التدهور بعجلة متسارعة، وترفع من درجة الرعب في نفسيات المتداولين والمستثمرين في الصناعة النفطية. وحينما تخسر أسهم الشركات النفطية الكبرى 75 مليار دولاراً في تعاملات يومين فقط، ويخسر ملياردير نفطي قرابة 10 مليارات دولار، وهو ما يعادل نصف ثروته في شهور معدودة، تزداد درجة القلق.
وبالتالي، فإن هذا الهبوط الكبير في أسعار النفط لا يتوافق مع مستويات العرض والطلب والفائض في السوق، وإنما حدث جزء كبير منه بسبب الذعر وتسابق المستثمرين لتقليل الخسائر المتوقعة عبر المبيعات غير المنطقية، سواء في سوق العقود الآجلة للصفقات النفطية أو في سوق وول ستريت، ولذلك كانت أسهم الشركات النفطية أول الضحايا.

وما يزيد الأمر سوءاً أن للشركات النفطية ثقلا كبيرا في المؤشرات الرئيسية للسوق الأميركية، حيث تشكل هذه الشركات حوالى %7.18 من مؤشر "دواجونز" الذي تقدر قيمته الرأسمالية بنحو 24.82 تريليون دولار نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، وحوالى 9.43% من مؤشر "ستاندرد آند بورز" الذي تقدر قيمته بـ 2.012 تريليون دولار، وهذه أهم المؤشرات التي تقيس أداء الأسواق المالية في أميركا.
ولذلك، ووسط هروب المتداولين من أسهم الشركات النفطية، وهروب المستثمرين من صفقات العقود النفطية الآجلة، حدثت حالة من الذعر، ما أدى إلى انخفاض مؤشرات أسواق المال الأميركية بمعدلات كبيرة.
وعادة ما تقود المؤشرات الأميركية أداء الأسهم العالمية للهبوط، حيث فقدت أسواق المال حوالى 1.2 تريليون دولار خلال تعاملات الأسبوع الماضي.
أما على صعيد الأسهم الخليجية، فيلاحظ أن مخاوف المستثمرين من تقليص الحكومات الخليجية لمستويات الإنفاق في 2015، وبالتالي حرمان الشركات من النمو، والحصول على عقود جديدة، كان السبب الرئيسي في التدهور الحاد بمؤشرات الأسهم الخليجية، حيث إن ثقل الشركات النفطية ليس كبيراً في أسواق المال الخليجية التي تقدر قيمتها الرأسمالية بحوالى تريليون دولار، وبالتالي فإن انخفاض 45% من قيمة سعر برميل النفط في 5 شهور لا تدعمه معادلات العرض والطلب، بقدر ما تدعمه حالة الذعر.
على صعيد العرض ترى مؤسسة "ستاندرد آند بورز"، أن 80 شركة من شركات النفط الأميركية البالغة 170 شركة ستواجه صعوبات مالية العام المقبل.
وبالتالي سيبدأ انخفاض إنتاج النفط الصخري. أما البروفسور ليونارد موغيري من جامعة هارفارد، فيرى أن ثورة النفط الأميركي ستستمر لبعض الوقت، رغم تدهور أسعار النفط الحالية.
ويقول موغيري في تعليقات بعث بها بالبريد الإلكتروني لـ"العربي الجديد" إن بعض آبار النفط الصخري في مناطق "ماكينزي كاونتي" و"نورث داكوتا" و"باكين ثريفوركس" التي تنتج حوالى 350 ألف برميل تستطيع مواصلة الإنتاج، حتى في حال تدهور الأسعار إلى حدود أقل من سعر خام غرب تكساس الحالي بكثير، لأن كلفة الإنتاج فيها لا تتجاوز 28 دولاراً.
ولكنه يلاحظ في تعليقاته أن كلفة 80% من حقول النفط الصخري الأخرى تتجاوز 42 دولاراً للبرميل، و20% منها تصل كلفة الإنتاج فيها أكثر من 85 دولاراً للبرميل. وهذه الحقول التي يتحدث عنها موغيري هي ذات الكلفة المنخفضة. ويعني ذلك أن إنتاج النفط الصخري الأميركي ربما ينخفض خلال 2015، وستواجه شركاته صعوبات مالية مع استمرار خام غرب تكساس تحت 60 دولاراً.
المساهمون