هذا الأسبوع، تكرّرت عبارة فصل الرياضة عن السياسة بشكل مكثّف، نتيحة ثلاثة أحداث: الأول كان تأهل المنتخب المصري إلى كأس العالم، والثاني فشل المنتخب السوري في التأهل، بعدما ارتفعت حظوظه بشكل غير مسبوق. أما الحدث الثالث، فكان تواجد المنتخب الإسباني لكرة القدم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث واجه المنتخب الإسرائيلي.
قسم كبير من الجمهور العربي اعتبر أنّ الوقوف إلى جانب المنتخبات العربية التي تملك حظوظاً في التأهّل إلى كأس العالم، أمر واجب، بغضّ النظر عن الأنظمة التي تقف وراء هذه المنتخبات، على اعتبار أن "الكرة للجماهير"، وفق العبارة المصرية الشهيرة.
قسم آخر من الجمهور اعتبر أنّ وصول المنتخب السوري، بشكل خاص، إلى المونديال هو خدمة كبيرة للنظام السوري لتبييض لصورته، خصوصاً أن أغلب اللاعبين (كلّهم على الأرجح) في المنتخب مؤيدون للنظام السوري ولرئيسه بشار الأسد. كما أن مشاركة هذا المنتخب في تصفيات كأس العالم، لم تمحُ صور لاعبين آخرين أعدمهم نظام الأسد بسبب مشاركتهم في تظاهرات تندّد بجرائمه وتطالب برحيله.
وبين هذين الرأيين تبقى الحقائق التاريخية هي وحدها التي تثبت أنّ فصل الرياضة عن السياسة أمر شبه متسحيل، خصوصاً في كرة القدم التي تعتبر اللعبة الأكثر شعبية في العالم، خصوصاً في العالم العربي.
هنا أبرز الأحداث التي تثبت أن الفصل بين السياسة والرياضة مستحيل، بل إن العلاقة بينهما مرتبطة بشكل وثيق:
1 ــ إيطاليا عام 1982
في عام 1982 فاز المنتخب الإيطالي بكأس العالم في كرة القدم. ومن دون تردّد، وبشكل فاجأ الرأي العام العالمي، أهدى الاتحاد الإيطالي الكأس والفوز إلى الشعب الفلسطيني، بسبب معاناته. انهالت الانتقادات على المنتخب، حتى طالب بعض أعضاء "الفيفا" بفرض عقوبات عليه.
2 ــ حرب الفوتبول
عام 1969 اندلعت حرب بين الهندوراس والسلفادور عُرفت باسم "حرب الفوتبول". فأثناء تصفيات كأس العالم عام 1970، واجه منتخب الهندوراس نظيره السلفادوري، في مباراة لتحديد من يتأهل إلى كأس العالم. وعندما فاز منتخب الهندوراس على أرضه، اعتدى جمهوره بالضرب على جمهور السلفادور، ما أدى إلى نشوب حرب عسكرية قصيرة بين البلدين. طبعاً لم تكن كرة القدم هي السبب الوحيد، بل كانت انفجاراً سببه تراكم الخلافات السياسية. لكنّ مجدداً فعلت الرياضة فعلها، وتداخلت مع السياسة بشكل واضح.
3 ــ جيرار بيكيه
قبل أسبوعين، صوّت الكتالونيون لصالح انفصال إقليمهم عن إسبانيا. رأس الحربة في التجييش لصالح الانفصال ودعوة الكتالونيين إلى الانفصال، كان مدافع نادي برشلونة جيرار بيكيه، الذي تحوّل إلى رمز بالنسبة لكل مؤيدي الانفصال. ثمّ جاءت تصريحاته المباشرة، والتي أعلن فيها أنه لا مشكلة لديه بأن يطرد من نادي برشلونة وألا يلعب في المنتخب الإسباني إن كان هذا هو ثمن تمسكّه بموقفه السياسي.
4 ــ احتجاج النشيد الوطني
في عام 2016، وبينما كانت الشرطة الأميركية تواصل قمعها وقتلها للمواطنين ذوي الأصول الأفريقية والبشرات السوداء، وبينما كانت حركة black lives matter، تواصل نضالها لوقف اعتداءات الشرطة على السود، قرّر لاعب كرة القدم الأميركيةamerican football كولن كابرنيك، أثناء إحدى مباريات فريقه 49ers، عدم الوقوف على النشيد الوطني الأميركي كطريقة احتجاج على قمع الأقليات الإثنية في البلاد. ومع انتهاء الموسم رفض أي فريق توقيع عقد مع كابرنيك، ما اعتبر عقابا له على موقفه السياسي.
5 ــ الألتراس في مواجهة النظام المصري
في مصر، بدا قمع جماهير كرة القدم، مخططا موضوعا وفق تفاصيل واضحة. خصوصاً أن "الألتراس" كان لهم موقف واحد من دعم الثورة، فهتفوا للثوار في المدرجات، وهاجموا الشرطة، وألّفوا أغاني باتت تتمتّع بشعبية واسعة ضدّ القمع. ونتيجة لهذا النشاط السياسي قُتل عدد كبير من الجماهير في استاد بورسعيد عام 2012، وفي استاد الدفاع الجوي عام 2015. كما أن النظام المصري أصدر أحكاماً مشددة على جماهير الكرة، أبرزهم يبقى طبعا سيد مشاغب.
6 ــ إعدام جهاد قصّاب
عام 2014 وبعد ثلاث سنوات على اندلاع الثورة في سورية، اعتقل نظام بشار الأسد اللاعب السابق في المنتخب الوطني السوري، جهاد قصّاب، بسبب مشاركته في تظاهرات معارضة للنظام ومؤيدة للثورة. وبعد اعتقاله، تعرّض للتّعذيب في سجن صيدنايا، ما أدى إلى وفاته.
7 ــ غسان سركيس عام 2000
في عام 2000، فاز نادي "الحكمة" اللبناني، ببطولة آسيا لأندية كرة السلة، وهو النادي الذي ارتبط بحزب القوات اللبناني المسيحي لسنوات. تزامن هذا الفوز مع انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من لبنان في العام نفسه، فما كان من مدرب النادي، غسان سركيس، إلا أن أهدى الفوز لأمين عام حزب الله، حسن نصر الله، ما خلق أزمة كبيرة، خصوصاً أن الجهات السياسية التي تقف خلف النادي معادية لحزب الله.
8 ــ أبوتريكة
لعلّ أسطورة كرة القدم المصرية محمد أبوتريكة، أفضل مثال على ارتباط السياسة بالرياضة، وذلك على مستويين: عام 2008، وبينما كانت غزة تتعرض لعدوان إسرائيلي وحشي، كان المنتخب المصري يلعب في كأس أمم أفريقيا مع السودان. وفور إحراز محمد أبوتريكة هدفاً لصالح بلاده، رفع تيشيرت المنتخب ليظهر تحته "تيشيرت" آخر كتب عليه "تعاطفا مع غزة"، ما أدى إلى حصوله على بطاقة صفراء. أما المستوى الثاني، فكانت إجراءات القمع التي مارسها ضدّه نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي من التحفظ على أمواله وغيرها، بحجة انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، ما أدى إلى حملة شاملة تضامناً مع أبوتريكة من قبل جمهور كرة القدم.
(العربي الجديد)